الأربعاء، 28 يونيو 2023

سلبيات الحركة الإسلامية في ذكرى فضل الله


سلبيات الحركة الاسلامية في ذكرى فضل الله

 

}ومـا محمَّدٌ إلاَّ رسولٌ قد خلت من قبلِـهِ الرُّسُـلُ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يَضُرَّ اللّه شيئاً وسيجزي اللّه الشَّاكرين{.

في أجواء الذكرى الثالثة عشرة لوفاة المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، علينا ان نطلق حركة النقد الموضوعي لما وصلت اليه الحركة الإسلامية اللبنانية وسنأخذ حزب الله نموذجا عليها.

وعلى الرغم ان المنظومة الثقافية القرأنية التي قدمها المرحوم السيد فضل الله لها امتدادات في أكثر من بلد وموقع عربي , الا ان لبنان تناولناه هنا بالتحديد لما يمثله هذا الموقع من تميز من خلال التأسيس الذي ساهم به المرحوم فضل الله في شكل رئيسي من خلال التربية والبعد الرسالي المرتبط في الإسلام ك "قاعدة للحياة" وك "أساس" للفكر السياسي الحزبي ,في ظل أجواء لبنانية لها أكثر من خط وأكثر من بعد يتحرك في اتجاهات قومية وماركسية وليبرالية وأيضا ضمن عقليات اقطاعية وذهنيات بدوية وانتماءات مناطقية متداخلة مع بعض ومتشابكة كثيفة التعقيد ضمن لوحة ألوان غريبة الاطوار يعيشها "لبنان" الصعب في تفاصيله والعجيب في احداثه والغرائبي في مجتمعه او مجتمعاته !؟  وكذلك احداثه العميقة في تفاصيلها وتاريخها وبعدها الحضاري وتنوع شخصياته الفاعلة مع كل الصراعات الدولية الموجودة.

نحن نتحدث عن "حزب الله" التي قياداته وافراده المؤسسين تربوا مع "السيد" رغم ذلك فأن المرحوم فضل الله يؤكد التالي: "أنا لستُ زعيم أيّة حركة وميليشيا. عملي هو عمل مسلم مثقّف، أنا مفكِّر ومؤلِّف العديد من الكتب عن الإسلام. مجال عملي يتجاوز إطار حزب أو حركة، وهو يتَّسع ليشمل مسلمي هذا البلد والبلدان الأخرى كلّها، وأفكاري تُتقبّل قبولاً حسناً من الجيل الإسلامي الجديد. إنّما لا أملك أيّة صفة رسمية، ليس لديّ ميليشيات، فأنا لا أؤمن أصلاً بأنَّ السلاح يحلّ أيّ شيء، إنَّما لديّ بضعة حرَّاس شخصيين، لأنّي تعرّضت مراراً لحوادث اغتيال."

ورغم ذلك ف "جزء" من حركة السيد محمد حسين فضل الله انتج مجاميع لبنانية توجهت للانضمام الى منظمة حزبية عسكرية امنية تحت مسمى "حزب الله" كأحد تشكيلات الأحزاب اللبنانية الدينية في  "لبنان" الجميل ,  هذا البلد "العزيز " الذي ليس بسيطا في العمق , و لا علاقة مع صغر حجمه الجغرافي مع ضخامة المعلومات و التفاصيل المتشعبة في التاريخ و السياسة و الدين و القصص الشعبية وتاريخ المناطق  , فلكل موقع و مكان قصة و حكاية و تفصيل , و لكل دين و طائفة و حزب وشخصيات وجهة نظرها في كل مواقع التاريخ  , و حتى الجرائم ضد الإنسانية ليس لها مثيل ولا حتى في الخيال الأكثر اجراما , و للصحفي الراحل روبرت فيسك لوحده كتابا ضخما يقترب من الالف صفحة عن الحرب الأهلية اللبنانية يحكي جزءا بسيطا من البشاعات و الفظائع و الأمور التي لا يتخيلها أي شيطان رجيم قام به اللبنانيون ضد بعضهم البعض ؟!

اذن مع كل هذه التفاصيل انطلق السيد محمد حسين فضل الله في الواقع اللبناني حيث كان في مواقعه يتحرك و يبث الفكر الإسلامي الحركي و معها تحرك المجتمع اللبناني المحيط فيه في تقبل هذه الأفكار و الايمان بها , و بدأ المجتمع الذي كان ينظر ل "حجاب المرأة" على انه لباس الفلاحات , فتحول عن تلك العقلية ليصبح هذا اللبس اعلان عن الانتماء الثقافي للمؤمنات الحركيات اذا صح التعبير, و نحن اذ نطلق هذا المثال البسيط , لنرسل رسالة عن مدى التحول الاجتماعي الذي أقامه السيد فضل الله في الواقع اللبناني المحيط به , ومع حركة السيد كذلك رأينا الشباب اللبناني اكتشف ان حلول مشاكله و أيضا الإجابات عن تساؤلاته المعرفية يجدها في داخل الخطاب الثقافي القرأني الذي اطلقه المرحوم "فضل الله" على امتداد الواقع اللبناني , و في تطور هذه الحركة تفاصيل و مراحل صعود وتضخم للحركة الإسلامية اللبنانية , و التي شكل "جزء منها" المنظومة الحزبية الأمنية العسكرية المرتبطة لاحقا مع نظرية الحكم الإسلامي لولاية الفقيه تحت مسمى "حزب الله".

نحن سوف نناقش في شكل مباشر سلبيات هذه المنظمة الحزبية بعد أكثر من أربعين سنة على تأسيسها وخروجها من عباءة السيد فضل الله، حيث خلقت حالة من الوجود والتواجد في الواقع اللبناني الرسمي والشعبي.

حاليا تعاني هذه المنظمة الحزبية من عدة نقاط سلبية تتحرك في تدميرها الذاتي من خلال ابتعادها عن أساسها الفكري الثقافي و هو الإسلام نفسه !؟ يقول السيد فضل الله بهذا الخصوص ضمن مقابلة صحفية مع جريدة النهار "دراسة الواقع في حركة الاسلاميين، وربما غيرهم من بعض العلمانيين والقوميين، من حيث الاستغراق في السياسة الاستهلاكية، وذلك بالطريقة التي تنفصل فيها عن القاعدة الفكرية التي تحدد للأنسان خطوطه العملية في وعي مفردات السياسة أو التحرك في مجالاتها، وخصوصا أن الساحة العامة في المنطقة العربية ادخلت السياسة في باب الاستهلاك بدلا من أن تدخله في حركة الانتاج، ولهذا اصبحت في كثير من اشكالها تمثل الشعار الذي يراد منه اجتذاب الجماهير في غرائزيتها، بدلا من التخطيط للحركة المستقبلية في ما تعطيه المسألة السياسية من سلب هنا أو ايجاب هناك. لذا كنت أفكر أن نظرتنا إلى الواقع الذي نعيشه ويمتزج فيه الخاص بالعام والمحلي بالاقليمي والدولي، يجب أن تكون شاملة تبتعد عن التجزيئية. وإذا أردنا أن ندرس المسألة السياسية، اي أن نمارس السياسة بعيدا عن الثقافة والاجتماع والاقتصاد، فأننا لن نحصل على اي حل سياسي للواقع، أو لن نستطيع أن نفهم الواقع السياسي في هذا المجال، لان السياسة عندما تنطلق في اي موقع في العالم فانها ترتبط بجذورها الواقعية في حركة الانسان والحياة. "

اذن حزب الله من خلال فشله من السيطرة على التخلف الاجتماعي الذي اخذ يفرض "عقده و "مخلفات الحقبة العثمانية" على من يفترض انها منظمة عسكرية امنية ذات ثقافة اسلامية وجزء من الحركة الإسلامية العالمية، فتحولت الى "ثنائي شيعي" وهو مصطلح اعلامي سخيف وتافه ومنحرف عن الخط الإسلامي، وهو يلبي غرائزيات مناطقية مذهبية لمن يعيشون العقدة الموروثة وهذا الامر والقبول به يعني ان هذه المنظمة الأمنية الحزبية الأمنية قد تخلت عن شعارها الإسلامي من اجل إرضاء لأفكار دعائية مجتمعية.

وفي هذه المسألة يقول السيد فضل الله:" نحن نعتبر الفكر الذي نطرحه فكراً تجديدياً يريد إخراج التفكير الديني من اللّعبة الطائفيّة التي خلقت كلّ هذه المشاكل إلى الهواء الطّلق، كي يفكّر الناس بالدين كفكر. وعندما نبدأ مع الجيل الجديد بطرح الإسلام كفكر وكشريعة لأجل فهمه ومقارنته بغيره، عندها لن نكون في معرض استثارة الناس باسم الإسلام، كما ندعو أن تناقش المسيحيّة بموضوعية كيلا يستطيع أحد إثارة الناس باسمها.

قد يقول البعض إنّ هذا تفكير مثاليّ لأنّ الواقع غير ذلك. هذا صحيح، ولكنّنا نحتاج إلى تقديم طروحات هادئة كي يتمكَّن هذا الطرح من النموّ بشكلٍ طبيعي. ونحن نطرح فكراً مستقبلياً. نحن نريد للتفكير بشكلٍ عام أن يتحرَّك في السّاحة اللبنانية من مواقف حبيّة حتّى لا يبقى أداة للمتاجرة بيد تجّار السياسة أو الدين."

"أنا أفكِّر بلبنان الإنسان الذي يشعر فيه الفرد أنَّ إنسانيّته وجوداً وفكراً وكفاءة هي التي تضمن حقوقه وتحدِّد مسؤوليّاته. وعلى هذا الأساس نطرح الإسلام كفكر، لأنَّنا نعتقد بأنّ الإسلام يحقّق إنسانية الإنسان، فنحن لا نؤمن بلبنان الطائفيّ الذي تتوزَّع الطوائف فيه الحقوق على قاعدة خلق الحواجز فيما بينها. ولنكن مثل بقيّة بلدان لعالم، أي دون عقد طائفية. وأنا أقول احملوا أمراء السياسة وضعوهم في جزيرة في البحر وستجدون أنّ اللبنانيّين يكتشفون وحدتهم من دون مشاكل."

اذن التحول الى تنظيم طائفي يناقض الحالة الإسلامية الحركية القرأنية ويبتعد عن أساس صناعة الحزب الذي من المفترض فيه ان يختزن الرسالة الدينية الثقافية كأساس ومنطلق للحركة وليست المسألة ان يكون الامر شعارا يكون بداخله "طائفية عشائرية وراثية غير معرفية ومناطقية" كما سنفصل لاحقا في سردنا للسلبيات التي يعيشها الحزب.

اذن من هنا نفهم كلام المرحوم "فضل الله" عندما يقول"أن تدخل الحياة السياسية في أي ساحة، معناه أن تستوعب كل مفرداتها. فعندما تعيش في مجتمع بدوي أو متحضر فإنّ طبيعة المفهوم السياسي في إطلاق الفكرة وطبيعة الطرح ومراعاة الاجواء تختلف بين موقع وآخر."

" انا لا أستطيع أن اتحدث عن شمولية في السلب أو الايجاب، لكنني أتصور أن مشكلة الاحزاب الاسلامية، حتى التي استطاعت أن تنجح في مبادراتها أو مواجهاتها، انها لا تزال تعيش في حمى الخمسينات السياسية التي ادخلت الانفعال في عمق الممارسة السياسية بحيث تحوّل الجانب السياسي في العلاقة بين القيادة والقاعدة، إلى حالة شعاراتية تجتذب الجماهير أكثر مما تثقفهم.

" لان الذين يشرفون على الاحزاب الاسلامية هم تماماً مثل بعض الذين أشرفوا على الاحزاب القومية أو العلمانية. فهؤلاء جميعاً وإن اختلفوا في وجدانهم الثقافي، إلا أنهم قد يعيشون التخلف الذهني بحيث تشكل تجربة الحكم الاسلامي مثلاً مشكلة للأسلام أكثر مما تكون حلاً له، وخصوصاً عندما تعطي صورة سلبية عن الخطوط الاسلامية الثقافية والسياسية والاجتماعية."

 

ان ما حصل للمنظمة الأمنية العسكرية "حزب الله" من سلبيات هي "فعل تراكمي" وليس منتوج لحظة زمنية واحدة اذن هذا منتوج تاريخ "شبه طويل" من بداية الانحراف الحاصل في هذه المنظمة التي يفترض انها تمثل امتدادا لنظرية إسلامية في الحكم و هي "ولاية الفقيه" ,  عندما قام حزب الله"" في قرار خاطئ  ليس ذكيا على الاطلاق في السماح في ادخال كل من هب و دب و كل ساقط و لاقط و كل شوارعي في كيانها , من باب تضخيم العدد و الانتفاخ الفارغ , و من اتخذ مثل هذا القرار كان يعتقد انه سيفيد الحركة الإسلامية ممثلة في "حزب الله , في مقابل التنظيم الثاني و هو حركة امل , و التي كما هو معروف انتهجت هذا الأسلوب في تنسيب و إضافة الاعداد بدون دراسة و لا تمحيص , و خاصة بعد تخليها عن الالتزام الحركي الإسلامي بعد مقتل مؤسسها الامام موسى الصدر داخل ليبيا و تلك قصة أخرى.

ولعل ذلك الادخال لهذه المجاميع الغير متدينة والغير ملتزمة أخلاقيا كان بداية السقوط في الانحراف، ومنها تهيأت الأرضية لما هو أسوأ والعن وهو دخول الأموال الطائلة والغير معقولة والغير محدودة بعد حرب  2006 ليتحول الإسلاميون داخل حزب الله من حال الى حال، حيث لوثة المال جننتهم وتفجر الهوس في الدنيا وشراء السيارات الفارهة واطقم المجوهرات للنساء والصرف غير المعقول على الفخفخة والتجارة وشراء البيوت والعمارات ومنها تم إعادة تأسيس وضع اقتصادي وشبكة مالية وحالة سرطانية أكثر سوءا ومتمكنة في الكيان القيادي.

عند ذلك اخذ الناس يسمعون عن تقسيمات عجيبة غريبة عمن هم "قادة وأبناء القادة وزوجاتهم و...." ومن جهة أخرى عمن هم "مجاهدون وامهات الشهداء وزوجاتهم وعائلاتهم".

حاليا حزب الله كمنظمة، منقسم الى قسمين: الأول: القادة وعائلاتهم وهؤلاء لديهم كل شيء.

 والقسم الثاني: المجاهدين: وهؤلاء يتم استغلال سذاجتهم الدينية واخلاصهم في أمور ليس لها علاقة مع التكليف الشرعي.

من هم في القسم الأول طبقة القادة، اصبحت العقدة الاجتماعية حاكمة لديهم أكثر ومنها انطلقت مسألة الطاووسين في القيادات وأيضا إضفاء القداسة على أنفسهم وعائلاتهم وأيضا تقديس فسادهم المالي والمعيشي وشبكات تجارتهم ومن ينتقد او يعترض او يتحرك ضدهم، فأن ارسال البلطجية وازلام الشوارع هو ما هو ممارس، فتحولت القيادة من تكليف شرعي الى حالة مافيوية من ممارسات رجال العصابات، وفيديوهات "صباط السيد !؟" أي "حذاء السيد "على رؤوس المساكين الفقراء أحد الأمثلة الموثقة وهناك قصص أخرى بهذا المجال.

والكارثة الخطيرة الآخري هو نفاذ تيار الخزعبلات والخرافة للجسم القيادي لحزب الله.

اذن لقد تم تأسيس معسكر الانحراف وبناء أساسه السرطاني والذي سيتعزز أكثر وأكثر مع دخول "حزب الله" ضمن "منظومة الحكم والسيطرة لشلة مجرمين الحرب الاهلية اللبنانية الحاكمة".

هؤلاء المنحرفين دينيا والخزعبلاتيون والذين وضعوا أنفسهم وعائلاتهم وزوجاتهم ومن يرتبط بهم مصلحيا ضمن "طبقة القيادة" كذلك يستخدمون الإرهاب الفكري ضد أي حالة نقدية ويستغلون بخباثة مسألة التجارة "الإعلامية الدعائية " في الشهداء واهاليهم، وجعلهم "رافعة" لتبرير الاستمرار في الحالة المافياوية المنحرفة البعيدة عن الخط الإسلامي، او في "خلط الحق مع الباطل" وخلق خطاب فتنوي دعائي خبيث يربط نقد السقوط الأخلاقي والفساد ورفضه وعدم فبوله مع العمالة والارتباط مع الأجنبي !؟  فمن يقول "لا" للفساد واستغلال الناس او "لا" لصناعة مافيات هو مشبوه، و "عدو" و "مرتبط" بالأجنبي !؟ في معادلة ابليسية بعيدة عن العقل والمنطق وفاقدة للدليل.

امر "سلبي اخر" وهي التعصب المناطقي حيث تم تحويل "حزب الله" المنظمة الأمنية العسكرية ك "موقع" "تمييز" و"ارتقاء" وسيادة" لأهل الجنوب من المسلمين الشيعة، وليس ك "تنظيم يتجمع فيه مؤمنين في الفكر والثقافة الإسلامية الحركية الملتزمة في نظرية ولاية الفقيه" وهذا تناقض أساسي يسقط كامل الحركة بعيدا عن الخط الرسالي، وهنا المجتمع وعقدة المناطقية هي من يقود الحركة الإسلامية والمفروض ان الامر معكوس، وهذا انحراف اخر إثر ويؤثر على "حزب الله.

ان المقاومة الإسلامية اللبنانية التي حررت جزء كبير من ارض الجنوب اللبناني ماعدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر، نقول ان هذه المقاومة الإسلامية فيها من كل المناطق اللبنانية ومن حرر الجنوب هي "الحركة الإسلامية اللبنانية" و"مقاومتها"، ومعروف كذلك شعبيا أحد الاقوال: ان بعلبك هي الخزان البشري للمقاومة الإسلامية وهي في شمال سهل البقاع وليست في الجنوب.

 أيضا نحن نسأل: من كانوا اتباع جيش لبنان "الجنوبي" الذي تم تأسيسه صهيونيا من أي طائفة إسلامية؟ ومن اي دين؟ وأي قرى ومناطق جائوا؟ هم من اهل الجنوب جغرافيا؟ ومنهم من هو وراثيا مسيحي او مسلم درزي او مسلم شيعي او مسلم سني، وأساسا منطقة الجنوب اللبناني مختلطة دينيا من جميع الأديان والمذاهب كما هو كل لبنان حيث لا توجد منطقة لبنانية صافية دينيا إذا صح التعبير.

ما اريد ان أقوله: ان الخيانة والجاسوسية والعمالة ليس لها دين او منطقة، ان الخيانة حالة من الشر والسقوط في حلف مع الشيطان، وأيضا من غير الصحيح ومن الخطأ القول ان المسلمين الشيعة هم فقط من اهل الجنوب اللبناني فهناك تقسيمات كثيرة للمسلمين الشيعة داخل لبنان يتجاهلها الاعلام الغربي والمحلي منتوج "جهل" او عدم معرفة او من باب الانجرار بدون تفكير مع كل ما تقوله مؤسسات الغرب الاكاديمية او الإعلامية او لأسباب عقدة اجتماعية داخلية.

ان هناك ما يعرف في " شيعة الشمال، وشيعة بعلبك، وشيعة البقاع الأوسط والغربي وايضا شيعة الساحل.

 وبما يخص "شيعة الساحل" تحديدا فهم   أهالي مناطق الضاحية الجنوبية الحقيقيين "الأصليين" وهم كانوا يعيشون ضمن هذه المناطق الذي كان ينتشر فيها المسيحيين أيضا، ان هذه المنطقة ليست منطقة خاصة لأهل الجنوب اللبناني من المسلمين الشيعة، بل كان فيها قبلهم مجاميع وعائلات وبيوتات من المسلمين الشيعة، لديهم عادات وأساليب عيش وأصول وعادات مجتمعية وأيضا مواقع في الدولة اللبنانية سياسيا وثقافيا وضمن مناصب ومواقع مختلفة عن المسلمين الشيعة في الجنوب اللبناني.

ان الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت العاصمة لمن لا يعرف كانت منطقة بساتين وحدائق وتنتشر فيها البيوت الجميلة ورائحة الجو النقي مع تداخل الهواء البحري ب "مزارع الفواكه وأشجار الصنوبر" المنتشرة بكل مكان حيث تقع بين ساحل بيروت الجنوبي وبداية جبل لبنان شرق العاصمة، وهي كانت موقع الانتقال الصيفي والنزهة لأهل العاصمة بيروت.

كان يعيش فيها عوائل وعشائر وبيوتات: " ال رهاوي، ال السبع، ال رحال، ال الحركة، ال منصور، ال سباعي، ال حرب، ال عناب، ال علامة، ال كنج، ال سليم، ال فرحات، ال خنساء، ال حاطوم .... وغيرهم.

ومن العوائل والعشائر والبيوتات المسيحية: ال دكاش، ال عساف، ال الحسيني !؟، ال كنعان، ال عون، ال يزبك، ال الأبيض، ال عبد النور...وغيرهم.

ولكن المسألة انقلبت رأسا على عقب، بعد هجرة أهالي منطقة الجنوب اللبناني الى الضاحية الجنوبية وانتقالهم اليها بعد الحرب الاهلية والغزو الصهيوني، وهم من يقال عنهم في المصادر الاكاديمية الغربية واللبنانية، ب "المتوالي" او "المتواليين" وهم يختلفون في الطبع الاجتماعي والعادات الشخصية والامتدادات العائلية العشائرية عن "اهل الساحل" او شيعة الساحل. ومع هكذا انتقال بشري يضاف اليه تجمعات مخيمات اللجوء الفلسطيني تدمرت منطقة الضاحية الجنوبية وتحولت البساتين والفيلات الجميلة ومناطق النزهة والترفيه لتصبح شيء مختلف.

ان العقلية الغربية الاكاديمية والصحفية دائما تصور "منطقة الضاحية الجنوبية" ك "منطقة فراغ سكاني ومعماري" لم يكن فيها أحد الى العام "1975" مع بدايات الحرب الاهلية اللبنانية والغزو الصهيوني، وهذا الامر غير صحيح.

وأيضا غير صحيح انه كل شيعي هو "متوالي"، او "عتال ع البور" أي عامل في الميناء ؟!، كما يقول السيد حسن نصر الله امين عام الحزب في أحد خطاباته، وواضح انه الذي قال هذا الكلام يحمل "نفس مناطقي" لأنه يعيش عقدة اجتماعية نفسية !؟ وهذا الكلام اخذ يمتد أيضا ليؤثر على الجهاز الدعائي للحزب نفسه من التلفزيونات واذاعات ومجلات وشخصيات "الردح الإعلامي والتطبيل" التابعة التي تتكلم حسب الأوامر والتوجيه والطلب.

الذي اخذ ينطلق بهكذا دعايات مناطقية غريبة الاطوار و أيضا يتوسع الامر حتى على المستوي التنظيمي الخدمي حيث انتشرت قصة مهمة ذات دلالة عندما اجتمع  نائب منتخب في البرلمان اللبناني مع ممثلين عائلات أهالي الضاحية "الحقيقيين" ضمن حملته الانتخابية , وجاوبهم على سؤالهم عن سبب التمييز المناطقي و عدم خدمته لأهالي الضاحية "الأصليين" في التوظيف و المعاملات و الخدمات المعيشية ..الخ بما يفترض ان يقوم به اي "نائب" لأهالي دائرته كأحد واجباته الوظيفية , نفس النائب البرلماني الممثل ل "حزب الله " يقول لهم علنا : انه لا يستطيع ان يفعل لهم شيئا ؟ وان اهل الجنوب لا يلكشونه ب "أصبع رجلهم" أي لا يعتبرونه شيئا، وانه نفس "اجر للكرسي"، أي خشبة لا تتحرك، أي انهم لا يعتبرونه شيئا وانه لا قيمة له و"لا" وزن و"لا" يستطيع الا خدمة "أهالي الجنوب المستوطنين" في الضاحية !؟ الذي للمفارقة تصويتهم يكون داخل قراهم لمرشحين اخرين ودوائر انتخابية مختلفة وليس في الدوائر الانتخابية التابعة للضاحية.

 اما لماذا أعاد نفس هؤلاء الأهالي والعائلات والبيوتات لعائلات الضاحية "الأصليين" التصويت لنفس هذا الشخص، فهذا من عجائب لبنان وأيضا من الأمور الداخلية التي لا اريد التطفل بها.

ولكن هذا مثال مهم وقوي يعطينا الدليل المضاعف كم هي متغلغلة ومتشعبة المناطقية بعيدا عن الحالة الإسلامية الثقافية وبعيدا عن الإيمانيات او الاخلاق او الاخوة الإسلامية، فالولاء للمنطقة وليس الالتزام القرأني هو الحاكم هنا.

وهذه العقلية الغريبة الاطوار نجدها ايضا على مستوى التعامل مع من يردح ويشتم المقاومة الإسلامية، حيث يتم التغاضي عمن يشتم ويسب ويتأمر ويرتبط مع السفارات إذا كان "جنوبي" من باب خليهم يظلون جماعتنا دعوهم يسترزقون؟! وهذه عقلية عشائرية وليست عقلية تنظيم أمنى عسكري، فنجده هنا ايضا يتحول لحالة مناطقية، هي حالة من التعصب الجغرافي.

عن التعصب يذكر السيد فضل الله: "«في مجتمعنا هذا الذي نعيش انتماءات مختلفة. من حقكم أن تختلفوا في الانتماء حسب اقتناعكم لكن ليس من حقكم أن تتعصبوا لانتمائكم. ليس من حقكم أن تحملوا الحقد لمن لا يتفق معكم في انتمائكم. والجريمة الكبرى هي أن تعلموا أولادكم، أيتامكم، طلابكم التعصب. هناك فرق بين أن تكون ملتزماً أو أن تكون متعصباً. من حقك أن تلتزم بما اقتنعت به مائة في المائة ولا تجامل أحداً في التزامك ما دمت مقتنعاً بالتزامك، أياً كان مضمون الالتزام، وعندما تكون إنساناً يحمل فكراً فإنه يملك رحابة أن يعترف بأن من حق الآخر أن يحمل فكراً مخالفاً حتى لو كنت لا تقبل به، أما عندما تكون متعصباً فأنت تزرع الحقد في نفسك ضد الإنسان الآخر، وعندما تنقل تعصبك إلى كل هؤلاء البراعم فإنك تفسد عليهم فطرتهم وإنسانيتهم وتصنع منهم مشروع جريمة وفتنة في المجتمع، لهذا فإنني أعتقد أن كل المتعصبين مجرمون في حق الأمة»."

وفي نشرة فكر وثقافة يقول السيد فضل الله: ""إنَّ العصبيَّة تمثّل حالة جاهليَّة يتحرّك فيها الناس من خلال الذهنية الجاهلية التي لا تنظر في خلافاتها مع الآخر إلى الجانب القيمي أو الجانب المضموني، بل تنظر إلى الجانب الذاتي في مقابل الذات الأخرى، وإلى التجمع البشري في مقابل تجمع بشري آخر، وهذا ما جعل التراث الإسلامي يؤكّد أنّ العصبية في النار".

 

اذن هذه كانت اطلالة لسلبيات احد مواقع الحركة الإسلامية في لبنان حزب الله نموذجا وعن ابتعادها عن الخط القرأني ضمن تعقيدات الحركة في الواقع , الذي هو واقع "بشري" من حيث القاعدة و أيضا القيادة ,  و هذا الواقع يتحرك على الأرض , وطبعا ضمن أجواء هذا النقد علينا ان نقول: ان وجود السلبيات في أي تنظيم او حركة او بشر فهذا من الطبيعي و خاصة عندما تتضخم الحركة و التنظيم ليشمل اعداد من الاف البشر , فهناك الصالح و الطالح و هم بشر و ليسوا ملائكة و ليسوا مقدسين مرتبطين الهيا , فهناك من يسقط و ينحرف و هناك من ينحرف و يتوب و هناك من يتقوى التزامه ويصمد...الخ فالمسالة متنوعة و متعددة لأنها "بشرية" و علينا تحليل كل موقف و كل قرار و كل مسألة من حيث خلفياتها و علاقاتها الجانبية و تمويلها و قاعدتها القرأنية الثقافية ضمن عقل يفكر و ضمير مخلص يريد الإصلاح . والأهم من كل هذا ان لا يصبح الانحراف مؤسسيا وضمن القيادة والقرار والتأثير بل ان يضل فرديا تعالجه المؤسسات والتنظيم، والانهيار الكبير عندما يكون الامر معكوسا حيث الالتزام الرسالي فردي والفساد مؤسسي ولعل ذلك أحد أسباب ما قاله لي أحد الاخوة الأعزاء من عوائل شهداء تفجير بئر العبد؟ عندما سألته؟ اين ذهبوا الأعضاء المؤمنين في الحركة الإسلامية في لبنان؟

جاوبني بالتالي:

 " تقاعدوا او أحبطوا؟  والتنظير بقي من دون تطبيق والاسلاميون عندنا في لبنان قدموا أسوأ تجربة في الحكم باستثناء إيران.

ان الحزب نجح في المقاومة ضد الصهاينة ولكنه فشل في السياسة الداخلية وغرق في التفاصيل ولم يطبق النظريات الإسلامية على ارض الواقع في "الحكم"، والحزب لديه سيطرة عسكرية امنية "نعم" هذا صحيح ولكن هو لم يقدم نموذجا إسلاميا في إدارة الدولة بحجة خصوصية لبنان ؟!"

رحم الله السيد محمد حسين فضل الله، وهو في ذكراه الثالثة عشر لرحيله "الجسدي" نحن ننطلق لنقول لكل الشباب المؤمن الحركي عليكم ان تعيشوا القران الكريم في حياتكم وفي أسلوب عملكم، فعليكم ان تدرسوا الآيات وتفهموها ضمن ذهنية تقرأ النصوص لتستوعب إيحاءاتها على حياتكم الشخصية ومجتمعكم، لتعيشوا الايمان والتقوى ولتراقبوا انفسكم ولتجعلوا وحي القران الكريم هو العمود الفقري لصناعة الفلاح والسير على الصراط المستقيم، لتعيشوا تجربتكم الدنيوية بما يرضى الله، وهنا صناعة الحياة وجنة الدنيا والاخرة.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾[

 

د.عادل رضا

طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب كويتي في الشئون العربية والاسلامية

 

 

الجمعة، 23 يونيو 2023

قراءة في الوطن والمواطنة في ذكرى فضل الله


قراءة في الوطن والمواطنة في ذكرى فضل الله

 

ان الشخصيات التي عاشت بيننا وقدمت تجربتها في الثقافة والسياسة والاقتصاد والتربية والجوانب العلمية بكل انواعها واتجاهاتها، ان هؤلاء يمثلون القيمة الحية على مدى الزمن، لأنهم كانوا من أصحاب "البصمة" ومن الذين صنعوا التغيير الى الافضل، ولم يكونوا مجرد عابرين سبيل في هذه الحياة، لذلك دراستهم وقراءة مرحلتهم التاريخية بكل ما تحمله من سلبيات وإيجابيات يعتبر من الأمور الحيوية ومن هنا يجب ان نتذكرهم كأشخاص قدموا التجربة والرسالة.

نحن نقترب في هذه الايام من الذكرى الثالثة عشرة لوفاة المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله الفقيه العربي اللبناني المتخصص في القران الكريم وصاحب عدد ضخم من المؤلفات الموسوعية في الفكر الإسلامي والتفسير والفقه والتربية والسياسة، والتي ظلت تمثل قاعدة للفكر والحياة عند الكثيرين من الناس في مختلف البلدان العربية. و التي لم تكن تمثل تنظيرا هوائيا بعيد عن الواقع بل كانت منطلقا لتأسيس عدد كبير من المشاريع المهمة التي تمثل حركة الفكر التنفيذية التي تؤثر في حياة الانسان لذلك انطلقت سلسلة المدارس التعليمية و المعاهد الفنية ومراكز رعاية المعاقين , و أيضا مراكز صناعة الثقافة الإسلامية من اعلام تلفزيوني واذاعي وطباعة كتب و نشر مجلات وتأسيس مواقع انترنت , و معها عدد من مؤسسات رعاية المعاقين ودور الايتام  المراكز الصحية والمستوصفات  الذي يمثل "مستشفى بهمن" الايقونة الأكبر فيها , وهذا كله ضمن ارتباط المال الشرعي مع الفكر مع الحركة التنفيذية على ارض الواقع لكي يشاهد الانسان العربي اللبناني نموذجا لما يستطيع الفكر الديني ان يمثله ليس فقط في مباني و مشاريع و حركة أموال شرعية مفيدة للمجتمع بل في تأسيس جيل شبابي متجدد يمثل مؤمنين و ملتزمين بما قاله و فكر فيه المرحوم السيد محمد حسين فضل الله.

ان المرحوم السيد محمد حسين فضل مثل علامة فارقة في التخصص الديني من حيث انه ربط الآيات القرأنية مع الواقع بما أنتج الفكر الساعي لصناعة نهضة حضارية تشمل الفرد والمجتمع، لذلك ذكرى وفاته لا تمثل "ذكرى شخصية" بل هي تشمل إعادة التركيز بما قدمه المرحوم فضل الله من مشروع فكري رسالي إسلامي أراد إعطاء النموذج الحركي القابل للتطبيق من خلال وعي منفتح على الله ورسوله وعلى الاولياء الصالحين، انطلاقا من كتاب الله القران الكريم وسنة رسوله لذلك استطاع السيد ان يجذب الناس الى الإسلام بشكل عقلاني حركي.

ذكرى وفاة المرحوم السيد محمد حسين فضل الله تعود ونحن ضمن تكليفنا الشرعي نريد احيائها، لأن هناك من يريد ان يموت الفكر الإسلامي الحركي التي حملته هذه الشخصية العظيمة، هو ك "أنسان" رحل جسدا، ولكن المشروع الفكري الإسلامي الذي قدمه وكذلك تجربته هناك من يريد ان يحصرها ويحاصرها ويجعلها "برواز" لصورة بعيدا عما هو مهم وما هو اهم وهو قاعدة الفكر القرأني كمنظومة متكاملة ومنهج تفكير , ان الكسالى و الجبناء و النائمون في عسل الغفلة عليهم ان يدركوا ان السيد فضل الله ليس صورة يتم رفعها و ليس طباعة منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي تبعد حقيقة اهداف مشروع السيد الإسلامي القرأني الحركي عن النتائج المطلوب صناعتها على الارض التي تتعلق ب "أسلمة" الفرد و المجتمع و تحقيق نموذج تطبيقي تنفيذي واقعي محسوس يلمسه الناس و يعيشونه ضمن حياتهم ,انتقالهم لمستويات حضارية بعيدا عن كل التخلف و الهمجية والموت الذي يعيشونه بعيدا عن الإسلام , ان النتائج التي نريد هي ان يكون لدينا اسلاما يتنفس و يصنع الابداع الفردي و المجتمعي لكي يكون الإسلام قائدا للحياة و لكي لا يقول قائل ان هناك مسلمون بلا اسلام ؟!

  ان السيد محمد حسين فضل الله "المشروع" و "النهج العقلي في استخلاص ايحاءات النص القرأني واسقاطاته على الواقع" والسيد فضل الله بما يمثله ك "منظومة فكرية إسلامية قرأنية تغييرية انقلابية ثورية" لا علاقة له بما يقوم به "البعض" بأبعاده عن حقيقة مشروعه الحقيقي وتحويله لما يشبه إصدارات "تنمية الذات" الغربية السخيفة، او اغراقه مع المدائح الشخصية الغير ذات معنى من دون الدخول في عمق تفاصيل "المنظومة الفكرية الإسلامية القرأنية التغييرية الانقلابية الثورية".

ان المرحوم السيد محمد حسين فضل الله "لا" يحتاج الى مدائح لشخصه من هنا وهناك و "لا" ل "أبيات شعر" او حالات دعائية "لا" تدخل الى أعماق "منظومته الفكرية الإسلامية القرأنية الحركية التغييرية".

لقد كان السيد فضل الله "امة في رجل" و اذا اردنا ان نعطيه الموقع الحقيقي له علينا ان نستمر في المسيرة من خلال التركيز على دراسة و قراءة هذه المنظومة وتحليلها و أيضا الانطلاق منها لمواقع جديدة على الساحة , اما الابتعاد عن هذه المنظومة , و الاكتفاء في تعليق الصور و المدائح و نشر منشورات لوسائل التواصل الاجتماعي , فهذا الامر قد يحقق ما يريده الكسالى وما يرغبه المستفيدين "ماليا" و "مصلحيا" من "تعليق صور" السيد محمد حسين فضل الله , من دون الحركة التطبيقية لأفكاره , و هذه إعادة مؤسفة لما حدث سابقا للأمام روح الله الخميني , و هذا تفصيل اخر في موقع مختلف , و لكننا في ظل قدوم هذه الذكرى الثالثة عشرة لوفاة المرحوم السيد محمد حسسين فضل الله نقول:

 نحن نعيد احياء هذه المناسبة مجددا أداء لتكليفنا الشرعي وأيضا لنصفع من يريد النوم لكي يستيقظ !؟ و منها ننطلق لنتذكر "تجربة رجل" تحرك في خط صناعة حركة إسلامية تشمل العالم...كل العالم , من خلال قناعة و ايمان بأن "الإسلام هو الحل" , ليس من خلال الشعار الفارغ المنطلق  بدون قاعدة للفكر و الحياة , بل ان هذا الشعار عند المرحوم فضل الله مختلف لأنه في العمق يحمل "مشروعا متكاملا موسوعيا" , تفجر هذا المشروع  من خلال انطلاقه من تخصصه القرأني و عن طريق موقعه ك " فقيه ديني" و انسان "بدأ" التجربة الإسلامية من الواقع الحوزوي  النجفي و من عمق المجتمع العراقي مع كل تعقيداته و اضطراباته و تنوعاته الاجتماعية و السياسية و الثقافية و كان ذلك من خلال وجوده هناك جغرافيا و عن طريق تفاعله مع جيل من المتخصصين في الدين عاشوا نفس الفكرة معه في ذلك الامل و الهدف بأن يعود الإسلام ليقود الحياة , و من هذا الامل و ذلك الهدف عاش السيد محمد حسين فضل الله داخل الموقع العراقي اكثر من ثلاثين سنة دارسا و عالما و فقيها و حركيا و ناشطا في مختلف المستويات و المراحل و سباقا مع زميله و صديقه المرحوم الشهيد محمد باقر الصدر و اخرين , ليتم الفرض عليه لأسباب متعددة و ضمن تعقيدات الحوزة النجفية ان يعود لوطنه لبنان الذي ينتمي اليه حسب أوراق الهوية و الجواز , و ان عاش السيد محمد حسين فضل الله العالم....كله في عقله و قلبه و روحه إسلاميا.

من داخل لبنان وهو "الموقع العربي الصعب" في تشابك تاريخه وعمق تجربته الحضارية و الثقافية و كون لبنان مصنع الأفكار و صراعها المفتوح و أيضا موقع أساسي لأغلب الحركات السياسية و الفكرية من إسلاميين و قوميين عرب و ماركسيين و ليبراليين و مرتبطين مصلحيين وجواسيس لهذه الدولة الاجنبية او لهذا الجهاز الاستخباراتي المتأمر او لكثافة المواقع الدينية فيه حيث يتواجد على ارض الدولة اللبنانية كل تقسيمات الدين المسيحي اذا صح التعبير والإسلامية مع  انشقاقاتهم و مشاكلهم و تداخلاتهم الداخلية و الخارجية و تشابكهم الاجتماعي و الشخصي و امتداداتهم  هذا غير "جنون" انطلاق الحرب الاهلية اللبنانية و عجائب وغرائب المجتمع اللبناني و أيضا تناقضات الأحزاب و الشخصيات اللبنانية داخل مؤسسات الدولة هناك مع المشاكل الاجتماعية و الشخصية .

ما اريده ان أوصل اليه واضعه ك "استنتاج": ان المرحوم السيد محد حسين فضل الله انتقل من موقع جغرافي " عراقي صعب معقد" لموقع جغرافي اخر "لبناني" أكثر صعوبة وأعمق في التعقيد وفي التفاصيل وأخطر؟، ومنها انطلق مع الناس وبدأ من جديد.

  وك "وكيل لأستاذه" المرجع أبو القاسم الخوئي ووكيل للمرجع السيد الكلبيكاني ولمراجع تقليد اخرين، تحرك في منطقة النبعة الشعبية الفقيرة في ضاحية بيروت الشرقية  بدأ في القاء المحاضرات والندوات وكان كذلك يتحرك في "جنوب لبنان" بشكل اسبوعي ويتواصل اجتماعيا مع الناس ويشارك في التجمعات الخطابية والوعظية ويحاول ان يبدأ في إعادة صناعة الواقع الروحاني وتقديم القيم الدينية العامة والتوعية الإسلامية السياسية , وهذا كان من الأمور التي استفزت التيارات اليسارية هناك وجعلهم يتعقدون من حضور السيد "جنوبيا" لما خلقه هذا النشاط من "جاذبية جماهيرية"

 في النبعة أسس ال "المعهد الإسلامي الشرعي" الذي أسهم في تخريج جيل من المتخصصين فقهيا والذين لاحقا تحولوا لشخصيات فاعلة في الواقع اللبناني ومنهم الشهيد "راغب حرب" وكذلك أسس السيد مكتبة عامة وناديا نسائيا ومستوصفا صحيا مع عدد من المواقع العبادية الدينية في مناطق أخرى.

  علينا قراءة موقع اخر لحركة السيد فضل الله مع ارتباطاته ك "وكيل لقيادة الثورة الإسلامية الامام روح الله الخميني" , الذي كان يصفه الاعلام العالمي لأكثر من سنة ب "زعيم المسلمين في العالم" وهو صاحب الموقع الفقهي ك "مرجع تقليد" و الفيلسوف العميق المتمكن من أدوات الفلسفة المعرفية , و المتخصص في العرفان الإلهي , و صاحب التجربة الحركية الإسلامية التي تم حرمان العرب من قراءتها و تحليلها و دراستها في شكل علمي حقيقي , لأسباب تتعلق بالأستحمار الذاتي وأيضا بالدعايات الاستخباراتية الغربية مضافا اليها الحاجز اللغوي المتعلق في صناعة ترجمات إعلامية و ثقافية و قراءات سياسية  لما يجرى على ارض ايران قبل أنشاء نظام الجمهورية الإسلامية و بعد التأسيس.

لماذا تحركنا في الشرح والتفصيل عن المرحوم الامام الخميني بعيدا عن باقي مراجع التقليد الذين كان السيد فضل الله وكيلهم داخل لبنان، بكل بساطة لأن الامام روح الله الخميني كان يمثل النقيض من الحالة الكلاسيكية لبقية المراجع داخل الحوزة النجفية والقمية.

ان السيد فضل الله قد تكامل وتناغم حركيا مع القيادة المؤسسة لنظام الجمهورية الإسلامية وأصبح محل ثقة الامام الخميني وتقديره وهذا الامتداد كان له ابعاد وذكريات اخرى في الموقع النجفي لم يتم توثيقها ودراستها للأسف الشديد الى الان؟!، وان كان السيد فضل الله لم يكن جزءا تنظيما رسميا مع الهيكلية الإدارية المرتبطة مع الجمهورية الإسلامية ولكنه دعم هذه الجمهورية الإسلامية كالتجربة الأساس في تاريخنا المعاصر وصلت فيه الحركة الإسلامية لموقع تأسيس دولة فكرية إسلامية وهذا موضوع اخر منفصل.

اذن المرحوم السيد محمد حسين فضل الله "قبل إعلانه مرجعيته الفقهية" كان محل ثقة واطمئنان في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات، لأهم مرجعيات تقليد على مستوي الكرة الأرضية ناهيك عن علاقاته بمن هم في مستويات التخصص الديني الأقل تراتبية او من الحزبيين.

ضمن هذا كله المرحوم فضل الله قدم تجربة تاريخية سياسية حركية اجتماعية تربوية تنظيمية طويلة وعميقة، خلقت "تميز" و "فرق" بين ما قدمه وبين ما حاول الاخرين ان يقدمونه من تجارب حركية إسلامية في الواقع العربي والساحة بطبيعة الحال تتسع للجميع , و لكن للحق و الحقيقة و للتاريخ  كان للسيد محمد حسين فضل "السبق"  في الدراسة والتحليل العميق المفصل والشاهد على ذلك كان نظريته في الحوار و نظريته في القوة و نظريته في كيفية العمل الحزبي و التنظيمي , وأيضا تقديمه دراسات محورية حول الحركة الإسلامية و واقعها و مستقبلها وكيفية عملها ضمن الصعوبات و التحديات و أيضا كيف تنطلق الحركة الإسلامية ؟ واين موقعها الوطني والقومي والعالمي ضمن تفاصيل فكرية وثقافية من خلال دراسته للنصوص القرأنية واستخراج إيحاءاتها في الجوانب الحركية المرتبطة مع الواقع.

من هذه الدراسات والتنظيرات اريد ان انطلق في تحليل رؤيته للوطن والمواطنة في الواقع الحركي عند الإسلاميين.

يقول السيد فضل الله في كتابه الشهير والمهم الحركة الإسلامية هموم وقضايا بهذا الخصوص: "للوطن في الوعي الفكري والشعوري للإنسان المسلم، خطّان مختلفان؛ خط شعوري عاطفي، يتصل بالجوانب الحميمة الذاتية، الخاضعة للانفعال الداخلي بالأشياء القريبة إلى عاطفته، المتصلة بمكامن الإحساس الذاتي في كيانه. وخط سياسي يلتقي بالمضمون القانوني للأرض، في حدودها الجغرافية الدستورية التي تفصلها عن الأرض الأخرى، التي تملك حدوداً معينة فاصلة، وينفتح على مجموعات بشرية مختلفة في الدين والمذهب والاتجاه السياسي والقومي واللون والعرق، ولكنها تتّحد فيه، ويتقاطع وينفصل في علاقاته بجماعات أخرى أو ببلدان أخرى."

"ليس هناك أي إشكال في الخط الأول، لأن الله لا يمنع أحداً من عباده، من أن يألف بعض الأشياء التي تحيط به، لتتحول الألفة إلى علاقة في الذات، وبالتالي إلى حالة عاطفية تحنو وتهفو وترق وتنفتح على كل مفردات الأرض والناس والأشياء، لأن الله لا يريد للإنسان أن يتعقّد في عاطفته، ما دامت المسألة مقتصرة على جانب الإحساس العاطفي، فإذا اقتربت من مواقع الانحراف، لتنتقل إلى التأثير في الخط العملي في الحياة، ردّها الإسلام إلى الخط المستقيم، بالعمل على عقلنة العاطفة وضبطها، وبالتالي، تحريكها في الدائرة الإسلامية، بعيداً عن خط الضلال والانحراف.

وإذا استنطقنا القرآن الكريم، نجد أنّ الكثير من آياته تقرّ بالجانب العاطفي الناتج من الارتباط بين الإنسان والأرض التي يقطنها، فيتحدث عن "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق"، وعن "الذين ظاهروا على إخراجكم"، في لفتة إيحائية إلى الجانب العميق من العاطفة، التي تشد الإنسان إلى داره، بحيث يكون الإخراج منه، أو المناصرة عليه، مشكلة كبيرة قد تبرر الحرب أو المقاطعة أو ما أشبه ذلك.

وفي هذا الجو، قد نستطيع استيحاء الخط الفكري في هذه الدائرة، ذلك أنَّ الإسلام لا يبتعد بالإنسان عن خصوصياته الذاتية العاطفية في مشاعره الإنسانية، فيما يحبّ أو فيما يكره، بل كل ما هنالك، أنه يعمل على تهذيبها بالطريقة التي تركزها وتثبّتها في خط الإيمان، وضمن إطار الفهم التوحيدي للأمور، وإذا ثبت صدق الحديث المشهور المأثور: "حب الوطن من الإيمان"، فإن ذلك يؤكد علاقة العاطفة المتصلة بوطن الإنسان بإيمانه، كذلك الأحاديث الأخرى، مثل: "عمرت البلدان بحب الأوطان"، و"من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه إلى أوطانه"، كذلك ما قاله الرسول(ص) عن مكّة وحبه لها، كل هذه تقر بمشروعية هذه العاطفة، وباعتبارها مسألة طبيعية."

"وفي الخط الآخر، قد يبرز أمامنا التحفّظ الفكري على بعض المفردات من ناحية المضمون، فهل يعني الالتزام بهذا الخط، أي الخط الفكري الذي لا يبعد الإنسان عن خصوصياته، الابتعاد عن ملاحظة الخصوصية الإسلامية فيه، بحيث لا تمثل المصلحة الإسلامية أية قيمة في تحديد الموقف أو تحريك القضايا في ساحة العلاقات، أو أنه يعني دراسة المسألة من الناحية الإسلامية العامة، التي تلاحظ كل خصوصيات الساحة، وترعى كل المواقع، بكل دقة وحكمة وواقعية، بحيث لا تلغي حقوق كل الناس في قضاياهم المتنوعة المرتبطة بالخطوط العامة؟

قد يطرح البعض في هذا المجال، الاهتمام بالمسألة الإسلامية في قضايا المسلمين، فلا تمثل قضايا غيرهم إلا حالة هامشية في الموقف، لا تثير الكثير من الاهتمام، ولا تدفع إلى المزيد من التحرك، لأن المسألة لدى المسلم، أنه يهتم بأمور المسلمين، فليس معنياً بأمور غيرهم، ولا سيما إذا كانت هناك خلافات في المواقف السياسية أو الاجتماعية أو الجهادية. وقد يطرح بعض آخر المسألة في اتجاه آخر، وهو أن من الصعب في النطاق الوطني الذي يخضع للتنوع في اتجاهاته، أن تفصل جانباً من المشكلة عن جانب آخر، أو تفرّق بين مصلحة المسلمين وغير المسلمين، لأن طبيعة التعقيد السياسي والتداخل الاجتماعي، تجعل الجوانب متداخلة، والمصالح متشابكة، وبذلك، يصبح البعد الوطني بعداً إسلامياً في المسألة السياسية، أو في المسألة الاجتماعية أو غيرهما... فما هو الموقف بين هذين الاتجاهين؟"

"قد نحتاج في الجواب إلى دراسة المسألة أولاً من ناحية النظرة إلى الوطن في المصطلح السياسي في نظرة الإسلاميين إليه، فقد نلاحظ أن الوطن قد تجاوز معناه اللغوي الضيق في الأرض التي يستوطنها الإنسان، ويتخذها مقراً دائماً بالمعنى الواقعي، الذي يشمل مساحة معينة من الأرض، خاضعة لعنوان البلدة التي تضم بيته وبيوت الناس الآخرين، وهذا هو المعنى الذي يخضع لبعض الأحكام الفقهية في الصلاة والصيام، فقد تحوّل إلى معنى سياسي، يتسع لما تتسع إليه كلمة الدولة، التي تضم عدة بلدان ومساحات جغرافية واسعة أو ضيقة، مما تعارف عليه الناس في تقسيم الأرض إلى دول، من خلال اختلاف الحكم أو النظام أو القومية أو العرق أو نحو ذلك، الأمر الذي يفرض حدوداً للأرض وللعلاقات العامة.

وقد تطور الجانب السياسي في معنى الوطن، في نطاق الدولة، ليتحرك في تأثيره إلى الجانب الشعوري الذي يربي العاطفة الإنسانية لدى المواطنين، ليكون الحسّ الوطني حالة شعورية وجدانية، تملك كل أحاسيسه، وتحدّد له طبيعة علاقاته وأوضاعه، بحيث تذوب ذاته وخصوصياته فيها، فيكون مستعداً لبذل دمه، والتضحية بذاته في سبيل وطنه.

وقد تتحرك التربية لتجعل من الوطنية حالة وثنية، يعبد من خلالها الإنسان الأرض ويخلص لها، تماماً كما يتعبد لله ويخلص له، بعيداً عن كل القضايا المبدئية، بل قد تتطور هذه الحالة لتفرض ضرورة انسجام المبدأ مع مصلحة الوطن، فإذا تعارضت حركة المصلحة الوطنية مع المصلحة الرسالية، فإنَّ الوطن يتقدم على الرسالة، بدلاً من أن تتقدم الرسالة على الوطن، أو يُصار إلى إيجاد حالة من التوازن الواقعي العملي بينهما."

"وفي ضوء ذلك، يتحول الوطن إلى عنوان للفرد أو للمجتمع، بحيث يتمايز الناس بأوطانهم، بدلاً من أن يتمايزوا بالعناصر الفكرية أو الأخلاقية أو غيرها... أما العناصر التي على أساسها يطلق على أرض معين يقطنها شعب معيّن، اسم الوطن فهي:

العنصر القومي: فقد يكون هذا العنصر مدخلية في بلورة وطن وكيان سياسي، فيحدّد لهما أرضاً حسب الحدود التي يأخذها حجمه البشري أو الاقتصادي أو السياسي.

وقد يكون العنصر السياسي فيما تتفق عليه بعض القوى أو الدول الكبرى في تقسيم الأرض إلى دول متعددة، من خلال مصالحها الاستراتيجية أو الاقتصادية المتنوعة، التي تفرض وجود مناطق نفوذ متفق بينهم، وقد تكون الطبيعية الجغرافية هي التي تحدد ذلك، تبعاً للحواجز الطبيعية الموجودة على الأرض.

وقد يكون وحدة المعتقد لدى الشعوب، الذي ينبثق عنه نظام سياسي وآخر اجتماعي، تتحدد من خلالهما المواقف والمواقع، في إطار المنهج الواحد، كالعقيدة الإسلامية التي تعتبر العنوان الذي يوحّد المسلمين في وطن واحد، في إطار الخصائص الواقعية التي ترفضها أوضاع البلاد، وتستوعب غير المسلمين، ضمن خطوط عامة وقواعد ثابتة، تكفل لهم الحصول على الحرية والعدالة في نطاق المصلحة العامة، وقد تكون هناك عناصر أخرى غير هذه الأمور.

هذا كله في الإطار النظري، لكن الواقع قد يحصر هذه العناصر في بعضها، تبعاً لمعادلات القوى والدول التي تبقى لها الكلمة الأخيرة، لأنها هي التي تكسبها شرعية القيام والاستمرار، وكذلك الرأي العام، الذي يبقى له بالدرجة الأولى الخيار في تحديد شكل الكيان السياسي الذي يختاره."

"ولكن الإسلاميين لا يجدون أساساً فكرياً في الالتزام بهذه الحدود الوطنية، التي تغلق على المسلمين الباب فيما وراء الحدود، فإن النظرة الإسلامية تجد في الأرض متسعاً للإنسان في الإقامة والتحرك في أي مكان فيها، من دون أن يختص بحدود معينة، ويمكن استيحاء هذا المعنى من مدلولات الآيات التالية:

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ]، وقوله تعالى: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}. وقد استوحى ذلك الإمام علي(ع) في بعض كلماته المأثورة المروية عنه في نهج البلاغة: "ليس بلد أولى بك من بلد، خير البلاد ما حملك".

 

"ولكن ذلك لا يمنع وجود مصلحة إسلامية عليا، في التخطيط لوطن محدود بحدود معينة، بصورة مؤقتة، من خلال الظروف التي قد تقتضي التركيز على مساحة معينة، من دون فرق بين أن يكون المسلمون ـ وحدهم ـ هم المتواجدين فيها، أو تكون خليطاً من المسلمين وغيرهم، بحيث تكون الشرعية منطلقة من طبيعة الظروف، لا من طبيعة الأرض، فيلتقي المسلمون على الالتزام به والدفاع عنه، والتحرك في خطوطه السياسية ورعاية أوضاعه الاقتصادية، أو نحو ذلك في العلاقات التي تشدّهم إلى الأوطان الأخرى، من خلال حركة المصلحة في واقع الإنسان المسلم، الذي قد يكون مرتبطاً بواقع إنسان آخر، فيعمل على التكامل والتعاون معه في هذه الحدود الخاصة.

وفي ضوء ذلك، فإن الوطنية مهما بلغت من القيمة المرحلية، فإنها لا تتحول إلى حالة ذاتية في الناحية الفكرية والشعورية، بل تبقى حالة طارئة خاضعة للظروف من حيث العمق والامتداد."

"ولم يكن الإسلاميون بدعاً من الناس في هذا الفهم الواقعي المحدود للمسألة الوطنية، فهناك القوميون الذين يفهمون الوطن الذي يعيشون فيه في الحدود الإقليمية، جزءاً من الوطن القومي الكبير الذي يمتد في كل موقع من مواقع الأمة، ما يجعل تعاملهم مع الوطن خاضعاً للحركة السياسية في الوصول إلى الساحة الواسعة.

وهناك الماركسيون الذين يتجاوزون الوطنية والقومية في عمق تفكيرهم السياسي، المرتكز على قاعدة الخط الأممي في حركة الطبقة العاملة، ما يجعل الحدود الوطنية متحركة في البعد الأممي الكبير.

وإذا كانت المسألة تتحرك في دائرة الظرف، فقد نستطيع أن نقرر عدم وجود حالة ثابتة في حركة المفهوم في الواقع، بل هي حالة متحركة في نطاق الخط الإسلامي الاستراتيجي، في علاقة الداخل بالخارج، وفي امتداد الحدود إلى أبعد من الوضع الذي يحيط بها من الناحية السياسية العامة."

 

"وقد نستطيع الآن أن نحرّك الموضوع على الصعيد الواقعي، لنلتقي بكل القضايا التي يمكن أن تثار سياسياً في المسألة الوطنية، على أساس قضية الحرية بكل فروعها الداخلية والخارجية، فعندما تكون المسألة مثلاً، مسألة احتلال معاد، أو مسألة هيمنة ظالمة، فقد يفرض علينا الواقع أن نتحرك وطنياً بالمعنى الواقعي، لكن في إطار الخط الإسلامي، خدمة لمصالح المسلمين والمستضعفين من غير المسلمين، وقد يملي علينا هذا التحرك، الدخول في جبهة وطنية مع القوى السياسية الأخرى، التي لا تلتقي معنا فكرياً، ولكن بشروطنا الإسلامية الفكرية والسياسية، التي لا تتعارض مع الآخرين، فنشترك في تحرير هذا البلد، كمرحلة من تحرير المنطقة، أو في هدم النظام الجائر الذي يضغط على حياة الناس."

"وإذا كان البعض يجد في الخصوصية الإسلامية حاجزاً يقف بين المسلمين وغيرهم في المجتمع المتنوّع، ما يشكل فرصة للتناحر والتناقل والاختلاف، الذي يفسح في المجال لكثير من الاختراقات المعادية، أو يؤدي إلى الفوضى والارتباك، فإننا لا نرى المسألة كذلك، لأن هناك أكثر من قاعدة للتوافق والتعاون أو الوحدة في الموقف خلال القضايا المشتركة، التي تفرضها طبيعة الوضع السياسي، الذي تعيشه العلاقات الدولية أو المحلية المتحركة في صعيد الوطن كله، كما أن المشكلة قد تعيش في جذورها في كل مواقع الخلاف الفكري أو السياسي المتنوع، ما يجعل القضية في موضع الخطورة أو القلق، بعيداً عن طبيعة الخصوصية الإسلامية وغيرها، ولكن الحل يكمن في طريقة إدارة الخلافات، وتحريك المعارضة، وإيجاد الوسائل الكفيلة بتحويل الخلافات إلى مواقع للحوار والصراع الفكري والسياسي بطريقة حضارية، بعيداً عن كل أساليب العنف والتهويل.

وربما كانت الأجواء الدينية التي تتحرك في داخلها الصراعات السياسية، مثيرة للحساسيات الملتهبة والمشاعر المتوترة، ولكن هذه المشكلة ليست من المشاكل البالغة التعقيد، إذا استطعنا التعامل معها بطريقة موضوعية على الصعيد الفكري أو السياسي، بحيث تبتعد المسألة عن موقع الإحساس إلى منطقة العقل، وتحريك الخلافات الدينية في الدوائر الفكرية، بدلاً من تحريكها في الدوائر الطائفية، وإذا كانت هناك بعض الصعوبات التي تعترض ذلك في ساحة التطبيق، من جهة طبيعة الذهنيات الضيقة في مجالات الخلاف، التي تخضع لها ذهنيات المتدينين بهذا الدين أو ذاك، فإنها ليست بالمستوى التي تصل فيه إلى المستحيل، الذي لا يمكن معالجته، بل قد نجد في الساحات السياسية الأخرى بعض ملامح هذه المشاكل."

"إن الوطنية بالمعنى الضيق المنغلق الذي تتحول فيه إلى خط فكري ينظر بأسلوب اللامبالاة أو الرفض نحو التيارات الأخرى، لا يلتقي بالمعنى المنفتح الذي تتحرك فيه الخطوط الفكرية في البعد القومي أو الإنساني أو الديني، ولا سيما الإسلامي، لأن طبيعة هذه الساحات الواسعة، تلغي الحدود الموضوعة هنا أو هناك... ولكنها لا تتنكّر للخصوصيات الوطنية بالمستوى الذي يثير الاهتمام بالقضايا العامة، المطروحة في هذه الدائرة، ويعمل على الدفاع عن كل المواقع التي يفرضها الواقع، ويتكامل مع القوى الأخرى المتحركة فيها في كل الأصعدة السياسية والأمنية.

إن الاحتضان الإسلامي للمسألة الوطنية، ينطلق في نطاق الواقع، لا في نطاق المفهوم، ويتحرك من المواقع الإسلامية التي هي الأساس من الجانب النظري في اللقاء بالمواقع الأخرى أو الافتراق عنها، لأنه لا معنى لأن تتحرك كإسلامي بعيداً عن المفاهيم الإسلامية العامة."

"لا بد للإسلاميين من التحرك بالكثير من الوعي والمرونة والانفتاح على كل الساحة، لدراسة كل مواقع اللقاء والخلاف، مقارنةً بدراسة المفهوم الإسلامي للقضايا العامة في داخل الساحة الإسلامية وخارجها، لأن الأفق الضيق والعزلة عن الواقع، لا يستطيعان أن يحققا أي ربح للحركة الإسلامية في أي مجال، بل يسهّلان للآخرين عزلها عن مواقع التأثير ومصادر القرار. وإذا كان البعض يرى أن من الضروري المحافظة على نقاء الذهنية الفكرية للإنسان المسلم، حتى لا تختلط عنده المفاهيم لتدخل عليها مفاهيم الانحراف، فإننا نؤكد ذلك، ولكننا نؤكد إلى جانب ذلك، أن هناك أكثر من أسلوب للحفاظ على الأصالة، مع التحرك في خط المرونة، للإيحاء بالواقعية الحركية للإسلام، وبالانفتاح على المواقع الأخرى غير الإسلامية للحصول على كثير من إيجابياتها السياسية، لمصلحة الواقع الإسلامي، وللتحرك نحو النفاذ إلى عمقها، الذي سوف يجد في الإسلام الكثير من الأمور التي يعمل الأعداء على تشويه الصورة من خلالها، مما لا أساس له في حركة الواقع.

هذه هي بعض الملامح العامة للحديث عن الوطنية في النظرة الإسلامية، وربما تمس الحاجة إلى الدخول في بعض التفاصيل الأخرى التي قد نحتاج إليها في توسيع الفكرة، من خلال ملاحظات المفكرين الإسلاميين، التي نرجو أن نجد فيها بعض الأفكار الناقدة التي تعيننا على تأصيل المفهوم الإسلامي في دائرة المفاهيم العامة."

وفي موقع اعلامي اخر خلال مقابلة مع جريدة الوسط يذكر السيد فضل الله: "إننا نرى أن مسألة المواطنة هي الأساس في علاقة الإنسان بنظام الحكم وبالدولة، بصرف النظر عن الخصوصيات الأخرى الدينية أو العرقية أو السياسية وما إلى ذلك. فالإنسان يتساوى مع مواطنه الآخر في المواطنية وما يترتب عليها من حقوق وواجبات. ومن هنا، فإن النظام الطائفي ينسف معنى المواطنية ويقتلها في الصميم ليحول الوطن إلى ولايات طائفية غير متجانسة وأفراد تتحكم بهم العصبيات الطائفية بدلا من أن تجمعهم الروح الوطنية وسقف المواطنية.

لقد فشلت فكرة المواطنة عندنا مع كل هذا الإدمان لها في أديباتنا السياسية، لأننا تعاملنا مع ذهنية الشقاق التي نتحرك فيها مذهبيا وطائفيا كمقدس من المقدسات، ولم نكلف أنفسنا عناء البحث عن مواقع اللقاء تحت السقف الوطني العام. ولذلك لجأت كل جماعة إلى مواقعها الطائفية لتبحث عن سبل للحماية الذاتية بعيدا عن السقف الوطني العام الذي يمثل ضمانة كبرى للجميع لو أحسنا التعامل معه، ولو أن البحث انطلق جديا في إخراج البلد من الطائفية السياسية التي عملت مواقع دولية وإقليمية لتكريسها في النصوص وزرعت حراسا لها في مفاصل البلد لتمنع من قيام الوحدة التي تعني الانصهار الحقيقي بعيدا عن كلمات النفاق السياسي التي تسالم الكثيرون على أنها الخبز السياسي الذي لابد للبنانيين أن يتعودوا على التهامه ليكون سما في الدسم الوطني العام.

"لقد أمضينا عقودا ونحن نمارس لعن الغرب المستكبر أو هذه الدولة وتلك، على أساس أنها المسئولة عن تقسيمنا إلى دول وأقطار، والحال أننا اليوم نترحم على القطريات بعدما فقدنا معنى الانتماء للبلد الواحد، من خلال العفن السياسي والطائفي الذي أفقدنا معنى الإحساس بأننا مواطنون في بلد واحد، وأنه لابد لنا من أن نتساوى أمام القانون حتى يكون هو المظلة، لا أن يكون الانتماء العشائري هو الذي يؤمن عنصر الحماية مع ما تحمله هذه الحماية من عناوين قد تؤسس لفساد أكبر ونهب أوسع... ولذلك، فإنني أزعم أننا نحتاج إلى ثورة حقيقية على المستوى الثقافي وعلى مستوى تغيير الذهنية السياسية ليكون الناس على بينة حيال الصورة الحقيقية للدولة الحديثة التي يعيش فيها المواطن وفق مبدأ العطاء والأخذ فيما هي الحقوق والواجبات، لأن المواطنة تعني قبل كل شيء الانتصار على العقلية العشائرية التي لم تعد متوافرة على المستوى الطائفي، بل على مستوى الأحزاب والحركات التي تلزم المنتمين إليها بالاصطفاف حولها وفق المعطيات العشائرية التي ينتفي فيها الحس النقدي لتتم المصادرة للجميع وبالمجان.

إن علينا أن نسأل أنفسنا: هل نريد أن نؤسس لدولة الإنسان لنصل إلى دولة المؤسسات من خلال الفهم الحقيقي لمعنى المواطنة في كونها التزاما حيال البلد كله، وفي نبذ التقييم العشوائي للآخرين المنطلق من العقلية التي تحسبهم على هذه الجهة المذهبية أو تلك الجهة السياسية بعيدا عن دراسة طاقاتهم وإمكانات إبداعهم لحساب الوطن والمواطنين؟ إن البناء الحقيقي للبلد المثخن بالمآسي والجروح والديون، والذي يحمل أعباء المنطقة مع أعبائه الداخلية، يبدأ من هنا، ومن خلال توافر النية الصادقة للعمل على قيام دولة القانون، دولة القيم والأخوة والتسامح والتعاون على أنقاض دولة السرقة والنهب. ولن يكون ذلك إلا من خلال نماذج قيادية صافية وواعية لم تترب على سلوك الطرق الملتوية في العمل السياسي أو في حركتها الإدارية. ولذلك فإننا نعتقد أن لبنان هو أحوج ما يكون في هذه المراحل لقيادات شابة تعيش طهر القلق في البحث عن سبل بناء المستقبل ولا تعيش عقلية كيدية وعدوانية حيال الآخر، أيا كان هذا الآخر.

إننا في أمس الحاجة للارتفاع من حضيض الاختلافات المذهبية غير المبنية على أسس فكرية وثقافية إلى فضاء الحوار الوطني الجامع، والقبول بالتنوع السياسي والاجتماعي الذي يقود إلى التفاهم من خلال الحوار البناء الذي يعترف منذ البداية بخصوصية الآخر ليمهد للتفاهم العام بشأن كيفية بناء الوطن ودولة الإنسان والمجتمع الكبير وفق أسس الحماية الإدارية والسياسية والاقتصادية والثقافي"

 

ان هذه المطولات المهمة من كلام المرحوم محمد حسين فضل الله تعطينا القاعدة الفكرية لأسقاطها على الواقع العربي من حيث ما حدث ويحصل من أمور اثناء العمل الحزبي والتنظيمي لمن هم إسلاميين وغيرهم في واقعنا العربي، فأين موقع كلام السيد محمد حسين فضل الله والثقافة القرأنية الحركية التي قدمها في تجربته بما حدث وبما جرى في واقعنا العربي؟ وأيضا في موطن السيد محمد حسين فضل الله نفسه داخل الجمهورية اللبنانية؟ بكل ما تحمله هذه الدولة العربية من تشابك وتعقيدات وتفاصيل كثيرة وأيضا عجائب وغرائب واحداث.

اذن الحديث عن المرونة في النظرة للحالة الوطنية ضمن النطاق الإسلامي وهو امر تحدده الظروف المرحلية التي يعيشها الإسلامي وأيضا مواقع القوة التي تعيشها الحالة الإسلامية ضمن الموقع الوطني، اذن المسألة متحركة تقررها ظروف الواقع، فما هو مسموح في مرحلة قد يكون مرفوضا في مكان اخر، والأهم والمهم هو عدم الخروج عن المبادئ القرأنية العامة التي تحكم حركة الإسلاميين في الواقع، هذا ما فهمته من هذه النصوص، والتي تستمر في الشرح والتحليل وإعطاء ابعاد أخرى لها موسعة.

نحن هنا سنقدم نماذج من هذا الواقع حيث نجد ان تاريخيا عندما نقرأ تجارب الماركسيين والقوميين العرب من ناصريين وبعثيين وكذلك الإسلاميين فيما يختص بين ما هو انتماء وطني وانتماء فكري عابر للحدود نجد ان المسألة متنوعة بين ما هو سلبي وإيجابي وأيضا تختلف القناعات والمواقف، فمن اهم الوطن او الفكر الاممي او التنظيم الحزبي العابر لحدود الوطن؟! هل الدولة الفكرية قوميا كانت او ماركسية او إسلامية هي الحاكمة وصاحبة القرار على اتباع دولة أخرى ليست ملتزمة ثقافيا او مؤدلجة؟

ان التاريخ يقول لنا: ان الالتزام الفكري والتنظيمي لما وراء الحدود الوطنية وخارجها أدى الى الضرر والاذية ؟! ولكن أيضا هناك نماذج تاريخية تقول عكس ذلك؟ ماذا لدينا من تفاصيل تشرح ذلك؟

هنا أجد من المناسب ذكر "حركة الواقع التاريخية" في أكثر من موقع، على سبيل المثال: نجد ان مصلحة الاتحاد السوفيتي تطلبت منه التضحية في الحزب الشيوعي العراقي على مقاصل الإعدام لحزب البعث الجناح اليميني الحاكم في العراق، وهنا الغت الدولة النموذج في الماركسية انتمائها الايديولوجي لصالح منافعها ومصالحها وتركت اتباعها للموت والسحل والتعذيب.

وفي مثال اخر نجد ان "كيم فيلبي" رفض اعتباره جاسوسا ضد بلده بريطانيا عندما قيل له كسؤال لتبرير ارتباطه مع أجهزة الاستخبارات التابعة للاتحاد السوفيتي، قال انه لا يعتبر نفسه جاسوسا او خائنا لبريطانيا، لأنه ماركسي العقيدة والانتماء والاتحاد السوفيتي هو وطنه لأنه يعبر عن انتمائه الفكري الماركسي والاتحاد السوفيتي هو ذلك الانتماء وذلك الفكر اذن هو الوطن بالنسبة لكيم فيلبي !؟ فهو كان يخدم وطنه الماركسي وبريطانيا بالنسبة له تمثل النقيض لفكره كأحد مواقع الرأسمالية العالمية اذن هي ليست وطنه؟!.

ويكرر المرحوم الأستاذ "عاد تكليف الفرعون" وهو أحد أعضاء الحركة الناصرية في العراق تفس المسألة ووجهة نظر "كيم فيلبي" اثناء لقائه مع د. حميد عبد الله في مقابلة تلفزيونية عندما يقول انه لم يجد غضاضة او ندم او أي خطأ عندما نقل اسرار دولة العراق الى "الجمهورية العربية المتحدة" لأنه يعتبر نفسه ك "قومي عربي" انه هذه الجمهورية هي دولته وليس العراق !؟ حيث يقول ان تعليماته كان يأخذها من سفارة الجمهورية العربية المتحدة وكان يقدم التقارير للسفير المرحوم الأستاذ امين الهويدي عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والعسكري، حيث لم يكن الأستاذ "عاد تكليف الفرعون" يعتبر نفسه "عراقيا" بل "عربي" والعراق جزء من الوطن العربي، وهو يرتبط مع العراق كما يرتبط مع نجد او مصر او اليمن، وهو يعتبر "الوطنية العراقية" خيانة !؟ وان وطنه الحقيقي هو كامل الأرض العربية من المحيط للخليج.

وفي مثال تاريخي اخر نجد ان اتفاق القاهرة الشهير الموقع في الستينات كان يتحرك ضد مصلحة الدولة اللبنانية وان هي وقعت ووافقت عليه ؟! فأن موافقتها جائت لحل مشكلة عربية تتعلق بنقل المقاتلين الفلسطينيين من الأردن لمكان اخر، فهذا الاتفاق حل مشكل الوطن الأردني على حساب الوطن اللبناني وأيضا بطلب من قيادة الجمهورية العربية المتحدة المرحوم جمال عبد الناصر، اذن هنا تم صناعة ضرر واذى للحالة الوطنية اللبنانية.

اذن هل الوطن اهم من القومية العربية او العكس؟ هل الالتزام الفكري بمنظومات فكرية اممية عابرة للقارات نفس الماركسية او الإسلام تسمح لنا في الغاء الوطن ومصالحه ودولته لحساب دولة أخرى لديها رافعة ثقافية نحن نؤمن بها؟ او نؤيدها؟

إذا أردنا ان نغوص أكثر في التاريخ نقول انه عندما حكم "الاتراك الصفويون" منطقة فارس وما حولها، فلأنهم فاقدين للرافعة الفكرية الدينية التي تبرر لهم الحكم والسيطرة وعدم السقوط في ظل الخلافة الرسمية الإسلامية المعقودة آنذاك في ظل حكم "الاتراك العثمانيين".

فأن "الصفويون الاتراك" لمنع اسقاطهم ضمن "الحكم التركي العثماني" غيروا مذهبهم الديني الوراثي و استعانوا برافعة  مذهبية إسلامية اخرى  تضمن لهم ربط كل القوميات الفارسية و الآذرية و العربية و الطاجيكية و البشتونية و البلوشية الواقعة تحت حكمهم "القومي التركي" تحت رابطة المذهب الإسلامي الاثنى عشري الجعفري ومنها تحقق لهم الرافعة الدينية لحكمهم "القومي التركي" و أيضا حموا سلطانهم العائلي من السقوط تحت مظلة حكم عائلة تركية اخري , هي أيضا استخدمت لتعزيز سلطانها القومي العائلي الرافعة الدينية للمذهب الإسلامي الشافعي الذي يسمح لمن هم "غير عرب" بأن يكونوا ضمن موقع الخلافة الإسلامية الرسمية و الذي أيضا يضمن لهم السيطرة  على القوميات الأخرى من عرب وارمن واكراد و يونانيين وبلغار والبان وشركس داخل حكمهم "القومي التركي العثماني".

من ذلك نستطيع ان نستنتج لماذا تصر الدولة الإيرانية الحالية ضمن "الجمهورية الإسلامية" والسابقة "الملكية الشاهنشاهية" وما قبل السابقة "القاجارية و الصفوية" على السيطرة على موقع الفتوى الأول للمذهب الإسلامي الجعفري ضمن تحكمها و اوامرها "مركزيا ضمن جغرافيتها" و أيضا التحكم به نجفيا بما يتعلق بالقرار , لذلك لا يتم السماح في بروز أي مرجعية فقهية على الأطراف جغرافيا في البحرين او شرق الجزيرة العربية او في المنطقة العربية اللبنانية  , و من هنا نفهم و نستوعب احد أسباب الحملة التسقيطية الشعواء التي تحرك بها الإيرانيون  حماية لمصالحهم القومية بعيدا عن أي اخلاقيات إسلامية وللمسألة ابعاد و قصص أخرى ذكرتها في كتابي المنشور تحت عنوان "عشرية الثورات و التحولات" , و أيضا في كتابي "ما وراء الستار" لمن يريد تفاصيل اكثر و أوسع , اذن كان الفكر الديني هنا او الانتماء المذهبي "عذر" للسيطرة القومية العائلية على قوميات أخرى و تبرير "سلطاني" للسيطرة و التحكم , بما يمثل حالة سلبية.

ولكن نفس التاريخ المعاصر يقدم لنا نماذج إيجابية على العكس تماما حيث نجد بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية على ارض ايران ان الأفكار الاسلامية العابرة للحدود الوطنية الجغرافية  قد خدمت الحالة الوطنية الفلسطينية "إيجابيا" و أيضا كذلك الحالة الوطنية اللبنانية وهي قضايا عربية وليست "قضايا إيرانية" من خلال دعم قضية تحرير فلسطين و طرد النفوذ الصهيوني و شبكات استخباراته و ارتباطاتهم الأمنية و الاقتصادية و الدبلوماسية التي تم تأسيسها و انشائها مع نظام الشاهنشاه داخل ايران , و ايضا دعمت الجهاد العسكري و الأمني و الاستخباراتي الفلسطيني و اكبر شاهد على ذلك "قوة حركة حماس" ماليا حيث اصبح لهم استثمارات دولية و ملائة اقتصادية و تمويل ذاتي اغرقهم في بحار من المال بعد ان كانوا "شحاذين" في أوروبا , و أسست "الجمهورية الإسلامية لحركة حماس لهم المواقع الإعلامية الفضائية المكلفة في التمويل في العاصمة البريطانية لندن , و دربتهم عسكريا لمستويات متقدمة تصنيعية في ظل اقصى أنواع الحصار في بقعة ضيقة صعبة الدخول و الخروج و هي "قطاع غزة" فأصبح ل "حركة حماس"  منظومة صواريخها  و شبكة انفاقها تحت الأرضية و خطوطها الأمنية و الاستخباراتية حول العالم والامر كذلك حصل مع "حركة الجهاد الإسلامي" التنظيم الجهادي الفلسطيني الاخر , و هذه أمور إيجابية في خدمة القضية الفلسطينية و لكن هي تضر مصالح قومية إيرانية "سلبيا" ولكن الفكر الديني الإسلامي العابر للحدود هو الحاكم هنا وهو المحرك و الدافع.

 وأيضا قامت "الجمهورية الإسلامية" في انشاء ودعم منظومة أخرى حزبية امنية وعسكرية وثقافية لبنانية وربطتها بها من حيث الانتماء الفكري من باب الالتزام في نظرية ولاية الفقيه التي هي نظرية الحكم الإسلامي التي تم تثبيتها ديمقراطيا في دستور نظام الجمهورية الإسلامية، والتي هي نظريا موجودة على الموقع الجغرافي لما اسسه البريطانيون وظيفيا تحت اسم "إيران" وهي ضمن المناطق المتعارف عليها تاريخيا ضمن مسميات أخرى مثل الإمبراطورية القاجارية وقبلها الإمبراطورية الصفوية .... الخ.

هنا نظرية "ولابة الفقيه" عابرة للجغرافيا الوطنية الإيرانية على مستوى الفكرة ولكن واقعها المادي هو ارض إيران ولكنها معرفيا تشمل كل العالم، وهذه النظرية في خط حركتها عارضت المصالح القومية الإيرانية كما ذكرنا سابقا.

اذن هذه النظرية اضرت الأرض الإيرانية القومية سلبيا بخروجها من واقعها الجغرافي لكي تهتم في قضايا عربية وليست "أيرانية" مثل احتلال فلسطين وأيضا مشاكل لبنان مع الاحتلال العسكري الصهيوني ومن هذا كله استفاد اللبنانيون "إيجابيا" في "صناعة "تحرير جزء كبير من مناطق جنوبهم المحتل، وترتب عليه انشاء منظومة عسكرية وامنية واستخباراتية وتنظيمية أنجزت لهم هزيمة عسكرية ضد الكيان الصهيوني في أكثر من موقع ومناسبة.

ولكن على النقيض تماما نجد ان المصلحة القومية الإيرانية في زمان لاحق اضرت "سلبيا" لبنان الدولة والمجتمع عندما تم تحريك نفس منظمتها الأمنية العسكرية التابعة لها لضرب مصالح دول عربية امنيا، وهذا غير استغلال لبنان ك "منصة ردح دعائي" ضد اشقائه العرب !؟ بناءا على الطلب الإيراني "القومي؟!" !؟ من المنظومة الحزبية التابعة لهم ومما اذى لبنان واللبنانيين؟! وخلق مشاكل مع اخوانه العرب بدون ان يستفيد ومن غير داعي او مصلحة.

اذن قد تكون المسألة إيجابية في خدمة الحالة الوطنية اللبنانية من جهة وأيضا قد تتحول المسألة سلبية تضرها من جهة أخرى لذلك أتصور ان علينا ان نتحرك كما فهمته من كلام المرحوم فضل الله في دراسة كل موقف على حدة ضمن ظروفه ومعطياته وأيضا خلفياته، لذلك القيادات الإسلامية الحركية على مستوى وطني عليها ان تكون ملتزمة وطنيا كما هي ملتزمة إسلاميا إذا صح التعبير، ولكن على مستوى الواقع كذلك هل من هم مرتبطة حياتهم ومعيشتهم وقوتهم ونفوذهم في دولة أخرى في التمويل والدعم والانشاء؟ هل لديهم "فخفخة" اتخاذ قرار وطني مستقل يتعارض مع مصالح الدولة الاخرى؟ هل لديهم "ترف" ان يقولوا "لا" إذا قرأوا ان القرار الذي يصل لهم يضر "الجغرافية الوطنية" و "الدولة" و "المجتمع الوطني"؟

لعله موضوع يحتاج للحديث والكلام على نطاق ندوة موسعة أكبر لحل إشكالية الوطن والمواطنة والالتزام مع أفكار عابرة للحدود، ولكن ضمن حدود الكلام عن ذكري رحيل السيد محمد حسين فضل الله، نقول ان الحوار يجب ان يستمر.

في الختام نقول: ان المرحوم فضل الله كان من أصحاب المشاريع الناجحة بكل سلبياتها وايجابياتها كأي حالة بشرية، لذلك إعادة التذكير بمناسبة وفاته تمثل فرصة لنقول لكل الشباب العربي: ان عليكم ان تعيشوا تجربتكم الذاتية لكي تخدموا اوطانكم، وان التزامكم الفكري الواعي العقلاني مع الاسلام المنطلق تحت مبدأ حاكمية القران الكريم، يمثل شخصية فردية اجتماعية لكم، تعطيكم التميز والخصوصية المطلوبة امام الاخرين من حولنا، لكيلا تكونوا "الفراغ" الذي يعيش الموت بل الرسالة التي تصنع الحياة.

رحم الله السيد محمد حسين فضل الله واسكنه فسيح جناته وعلى الدرب سائرون وموعدنا جميعا في يوم القيامة.

 

د.عادل رضا

طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب في الشئوون العربية والاسلامية

 

الخميس، 22 يونيو 2023

الخلاف الخليجي وصناعة الوحدة

"الخلاف الخليجي وصناعة الوحدة "

 

 

ان مسألة الوحدة الخليجية ليست حالة عاطفية متسرعة بل انها مطلب مصلحي مفيد للعرب ولأهل الخليج كأنظمة رسمية وكذلك ك "شعوب" وهناك وعي "مهم" بتلك المسألة مما استدعي قرار رسمي من قيادات مجلس التعاون الخليجي بتفعيل تلك  "الوحدة الخليجية" ك "اقليم قاعدة" للعرب ومنها انطلقت الدراسات والخطط التي المفروض ان يقدمها مركز الدراسات التابع للمجلس.

هذا الكلام نقوله في سياق اعادة افتتاح سفارات دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة ضمن طي حالة الخلاف التي كانت قائمة بين اخوان البيت الخليجي الواحد.

و واضح ان بالنهاية لا يصح الا الصحيح ومهما اختلف الاخوان في البيت فأن القدر ان يلتقون مجددا وهذا مصدر سعادة للجميع ولكل من يحب الخليج. 

ولكن من تلك الاحداث المؤلمة التي تجاوزناها ك "خليجيين" علينا ك "اقتراح" ان نعمل على انشاء مؤسسات تحكيمية متفق عليها لحل اي خلافات او تناقضات داخل البيت الخليجي ضمن حالة مؤسسية قانونية تحل وتفض اي خلافات مستقبلية لا سمح الله وضمن هذا السياق يذكر الدكتور محمد قواص الكاتب اللبناني المعروف التالي:

أعادت الإمارات وقطر التمثيل الدبلوماسي المنقطع بينهما منذ حزيران (يونيو) 2017. يغلق الحدث صفحة متوترة بين البلدين، ويتّسق مع المسار الذي أجمعت عليه دول مجلس التعاون الخليجي في قمة العلا في شهر كانون الثاني (يناير) 2021. وإذا ما عملت كل الأطراف على الإزالة الكاملة للخلاف وامتداداته وآثاره، فإن أسئلة تُطرح بشأن مستقبل المجموعة الخليجية في كينونتها الذاتية وعلاقاتها البينية الداخلية، وفي مكانتها ودورها ووظيفتها المقبلة داخل الدائرتين، الإقليمية والعربية.

 

تأتي الأسئلة الجديدة من حقيقة أن الأزمة سببت شللاً سياسياً للخليجيين كمجموعة واحدة ومشروع واحد داخل هياكل المجلس. بدا أن لا دينامية جماعية في ظل انقسام على حواف العداء بين دول مؤسِّسة وأساسية داخل منظومة الخليج الإقليمية. وعلى هذا بدا أن تحديثاً بات ضرورياً، ليس فقط في الهياكل المنظِّمة لعمل المجلس وأساليب تسييره، بل يطاول فلسفة التجمع الخليجي وضوابط حصانته وصيانته. فالوضع السابق، ورغم تميّز تجربته وتقدمها مقارنة بتجربة جامعة الدول العربية ومنظومة العمل الجماعي العربي، لم يمنع نشوب الصدام الذي كاد، بأبعاده الخطيرة حتى على المستوى المجتمعي، أن يهدد كينونة مجلس التعاون وديمومته."

 

ان الانطلاق من احداث تاريخية انتهت لصناعة حاضر ومستقبل افضل من الأمور المطلوبة لصناعة النهضة العربية لذلك مأسسة مؤسسات تحكيمية لحل الخلافات التي قد تحدث احد الامور المطلوب ان يعمل مجلس التعاون الخليجي على انشائها وتفعيلها كأحد خطوات الوحدة الخليجية.

 

د. عادل رضا

طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

 

الأحد، 18 يونيو 2023

العرب وتعدد الاقطاب .... التنين الصيني مثالا


  العرب وتعدد الأقطاب....التنين الصيني مثالا

 

قال الرئيس الصيني انه من الواجب دوليا الاعتراف الكامل في دولة فلسطين ك "عضو" كامل الاهلية والصلاحية في الأمم المتحدة، وهذا الموقف يختلف ويتعارض مع الموقف الأوروبي والأمريكي وبقية حلفاء النظام الطاغوتي الربوي العالمي في التعامل مع قضية فلسطين المحتلة.

نستطيع ان نربط ذلك مع الالتزام الشعبي العربي وأيضا الشعوب الصينية في رفض الشذوذ الجنسي وموجة نشر اللوطية وهدم الاسرة والغاء دور الأب وخلط الانساب والأعراق والأفكار النيوليبرالية الحديثة الهادمة لكل الأديان السماوية والقيم الشرقية.

بينما الصهاينة و حركتهم الدولية المرتبطة بهم و من ورائهم النظام الطاغوتي الربوي يقومون بالترويج و نشر هذه الانحرافات وذلك السقوط و يفرضونها ضمن موجة عالمية قذرة عفنة في كل الدول التي تكون تحت سيطرتهم و هذه المسألة فيها تناقض و ديالكتيك صيني صهيوني نستطيع نحن العرب الانطلاق منه لصناعة تحالف اكبر قوة و ارتباط مصلحي مستحكم واشد يفيدنا قوميا والتجربة السورية العربية خير مثال حيث دعم القطب الامبراطوري الصيني القادم الدولة السورية في صراعها مع حلف الناتو والصهاينة واتباعهم  ومن وظفوهم و استخدموهم اثناء الازمة السورية , حيث لم يكن هناك "غدر" صيني ولا "طعن" في الظهر و لا "تخلى" و لا "استغناء" كما يفعل ذلك الامريكان و الاوربيين مع ما يسمون انفسهم "حلفاء الغرب" الذي يرميهم كالأحذية القديمة المستهلكة بعد ان يستخدمهم.

علينا ان نعرف ان ما بين الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية أكبر مما يتخيله المتصهينين العرب الذين هم ليسوا فقط خونة للعروبة ومتآمرين ضد الاسلام بل هم يعيشون الجهل المعرفي ولا يقدمون قراءة حقيقية للواقع من باب السذاجة الفكرية التي يعيشونها او من باب العمالة المأجورة والوضع الخياني الذي يمارسونه حيث يردحون بما يتم برمجتهم عليه ك "جواسيس" و "خدم" للأجنبي.

ان الاعلام الغربي المملوك صهيونيا يتحرك في الترويج بأن لا فائدة من أي حالة انتقال امبراطورية من قطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب !؟ وهناك تقليل وتسخيف متعمد لما تقوم به الصين وكذلك روسيا في العالم من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وهذا الاعلام الغوبلزي الدعائي المملوك صهيونيا يقوم بذلك لصناعة استمرار لحالة عقلية الهزيمة والاستسلام والتي أيضا يقوم المتصهينين العرب الخونة بأعادة تقديم مثل هذا الخطاب الإعلامي الدعائي المزيف لكي يستهلكه السذج والحمقى بدون دراسة وتدقيق واستعمال العقل في معرفة ما وراء اللعبة.

علينا نحن العرب ان نعلم: ان رأس المال والاعلام في الامبراطوريات القادمة للسيطرة مثل الصين وروسيا يتحكم بهما العنصر الوطني هناك، وليسوا من الذين يأخذون اوامرهم وتوجيهاتهم من عصابات الكيان العنصري الصهيوني.

وأيضا نحن لا"  نقول ان الصين وروسيا هم حالة ملائكية قادمة لتخدم قضايانا العربية والإسلامية كجمعية خيرية بدون مقابل طلبا للأجر و الثواب !؟ ، ولكن هم لديهم مصالح وأيضا علاقات مع الصهاينة تحكمها الاستفادة وماذا سيترتب عليها من أمور، وهذه علاقة مد وجزر ومرتبطة مع تطورات المنطقة وتقلباتها وأيضا بمن يملك الحصة الأقوى من النفوذ والسيطرة ومن لديه مشروع نهضوي تنموي اداري أعمق وأكبر مرتبط بالصعود الحضاري الفردي والمجتمعي ضمن مؤسسات الدولة، هنا قد يتخلى الروس والصينيين عن علاقاتهم المصلحية مع الصهاينة لصالح المشروع العربي.

اذن ما نريد ان نؤكد عليه ان الحالة الصينية والروسية مختلفة عن الغرب الذي ارتباطه مع الكيان الصهيوني وحركتهم الدولية هو ارتباط ك "تشابك شرايين الدم" وك "الهواء في رئة الانسان" حيث ان المصلحة الانتفاعية ليست هي الوحيدة المرتبطة بالرغبة في استمرار وجود الكيان الصهيوني العنصري في الحياة السرطانية على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة.

ان العلاقة التجارية بين روسيا و الصين و ما بين الصهاينة هي علاقة مالية بحتة ليس لها علاقة بالدين او القومية او مختصة ب "الالتزام الفكري الأيديولوجي" اذا صح التعبير و علينا ان نقر و نعترف ان مشكلتنا ك "عرب" اننا لم نقدم مشروع كامل متكامل له ابعاد مصلحية تجعلنا اكثر أهمية و اقوي نفوذا في العالم  بل اننا تخلينا عن أي دور الا الاستسلام و القبول في الهزيمة , و النظام العربي الرسمي اصبح غارقا في عبادة الشخصيات او في الهوس في البقاء في السلطة و سرقة موارد الدولة ومعه غرق الشعب العربي في مشاكله المعيشية و احباطه العميق مع ما يشاهده من فقدان مشروع للنهضة و أيضا جزء من الشعب العربي مع هذه المشاكل المعيشية لم يرتقي معرفيا و ثقافيا لحالة من الوعي و البصيرة تخرجه من حالة الاستحمار الذاتي التي يعيشها و التي تجعله لقمة سهلة امام أي اثارات إعلامية او ترويج دعائي موجه و هذا الامر لا نلوم عليه شعبنا العربي فقط لأن تلك المسألة منتوج عدة عوامل ومنها الحكم القومي الطوراني التركي و منها دخول الاستشراق الأوروبي لصناعة حالة استعبادية ترث ما بعد سقوط الدولة العثمانية وجاء بعد الاستعباد الأوروبي انشاء الكيان الصهيوني و الذي اخذ يلعب على مشاكل المجتمع العربي بنجاح من خلال اختراقه لنقاط الضعف و أيضا من خلال سياسة النفس الطويل و لنا في تخطيطه لفصل السودان و صناعة الأرضية لذلك المثال وأيضا تأسيسيه لحرب المياه و السيطرة على الواقع العربي و إركاعه من خلال التعطيش و منها انطلقت مشاريع سدود وادي النيل و أيضا مشارع جنوب شرق الاناضول التي تقوم بها الدولة العنصرية الطورانية التركية حليفة الصهاينة.

 وايضا للأسف الشديد ان هناك حالة عربية تم تشكيلها في الوعي الروسي والصيني في إدارات وزارات الخارجية ومراكز التفكير وأيضا في الجامعات ومواقع الدبلوماسية عندهم، نحن نقول ان هناك قناعة لديهم تقول التالي: ان هناك تابعية عربية للحلف الطاغوتي الربوي العالمي وليس هناك استقلال في القرار واتخاذه، وهذا ما يخلق "قلق" لديهم وقناعة ان العرب "ملعب" بدون شخصية استقلالية وليس لديهم شيئا ليقدموهن الا ما يؤمرهم به الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

 ان علينا الاقرار ان خوف ك "هذا" يعيشه الروس والصينيون هو خوف " "مشروع" ونحن نتفهمه بكل بساطة لأنهم كما ذكرنا يتحركون مصلحيا بما يفيدهم وطنيا وبما يخدم مشاريعهم التنموية الحضارية الخاصة بهم، ونحن العرب عندما فقدنا مشروعنا القومي المستقل فلذلك ضعنا خارج التاريخ، فلم يعد لدينا شيء لنقدمه للعالم من حولنا وأيضا للأقطاب الإمبراطورية القادمة للسيطرة والدخول في وأقع التحكم الدولي وسط تراجع منظومة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

 

فلنتحرك في تفصيل المسألة علميا إذا صح التعبير ولنأخذ الفرق بين الارتباطات المختلفة ضمن قراءة ساعية للكشف ولصناعة قناعة تؤكد ما قلناه وسنأخذ الجمهورية الشعبية الصينية ك "مثال" وسنحاول اثبات ان هناك فرق بين الصين والحلف الطبقي الربوي العالمي بما يتعلق بعلاقتهم مع الصهاينة، وهذا ضمن ثلاثة محاور رئيسية:

المحور الأول:

 هو ان الحركة الصهيونية تتحكم في الاقتصاد في الغرب لذلك هذا التحكم والسيطرة الاقتصادية مرتبطة مع استمرار الضخ المالي والدعم للكيان العنصري السرطاني المقام على ارض دولة فلسطين المحتلة، لأن رأس المال الغربي واقع تحت السيطرة والتحكم اليهودي، على العكس من "رأس المال الصيني"

المحور الثاني:

 هو ان الديانة المسيحية وهي الأكثر انتشارا داخل الولايات المتحدة الامريكية حيث هناك اعتقاد واسع انه ضمن واجبهم الديني هو مساعدة الكيان الصهيوني واستمرار وجوده، وان استمرار وجود العالم مرتبط مع استمرار بقاء هذا الكيان الأمني الإداري العسكري في الحياة على ارض دولة فلسطين المحتلة، لذلك هناك اعتقاد عند هؤلاء الطائفة من اتباع الديانة المسيحية انهم ملزمين "دينيا" بهذا الدعم، اذن ليست المصلحة والمنفعة هي فقط الحاكمة في العلاقة مع الصين.

يعرف الباحث الدكتور يوسف الحسن «المسيحية الصهيونية» في كتابه «البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي» بأنها «مجموعة المعتقدات الصهيونية المنتشرة بين مسيحيين، بخاصة بين قيادات وأتباع كنائس بروتستانتية، تهدف إلى تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين بوصفها حقاً تاريخياً ودينياً لليهود، ودعمها بشكل مباشر وغير مباشر باعتبار أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة - فلسطين - هي برهان على صدق التوراة، وعلى اكتمال الزمان وعودة المسيح ثانية، وحجر الزاوية في الدعم الشديد لهؤلاء المسيحيين لإسرائيل هو الصلة بين «دولة إسرائيل» المعاصرة وإسرائيل التوراة، لذلك أُطلق على هذه الاتجاهات الصهيونية في الحركة الأصولية اسم الصهيونية المسيحية».

 يقول الأب ديفيد نويهاوس اليسوعى في ندوة عقدت في كنيسة السريان الأرثوذكس في العاصمة الأردنية عمان: «المصطلح حديث نسبيًا، لكنه يشير إلى نوع من الفكر المسيحي الذي هو أقدم من الصهيونية، ويمكن أن يوجد خاصة في عدة كنائس غير تقليدية، بالتحديد في المناطق الانجلوساكسونية «أمريكا وبريطانيا» والعالم الأوروبي الشمالي «هولندا وإسكندنافيا»، وانتشرت في القرن التاسع عشر، وبينما تطورت الصهيونية بشكلها العام كأيديولوجية سياسية اجتماعية في الأساس، فإن المسيحية الصهيونية هي أيديولوجية دينية بحتة».

ويذكر الأستاذ مدحت صفوت في دراسة له حول هذا الموضوع التالي:

"تتعدد أسماء ومصطلحات «المسيحية الصهيونية»، منها: الأُصولية اليمينية، والألفية التدبيرية، والإنجيلية المتشددة، ويتبعها كنائس وفرق عديدة داخل الولايات المتحدة وخارجها، أبرزها شهود يهوا، والطائفة البيوريتانية، والحركة المونتانية، ومؤتمر القيادة المسيحية الوطنية من أجل إسرائيل، وفرقة المجيئيين، والسبتيون، والخمسينية، ومؤسسة جبل المعبد، والميثوديست «الميثودية»، جماعة ميجا، فرسان الهيكل «المعبد»، واللوبى اليهودي الصهيوني، والمائدة المستديرة الدينية، والرابطة الأممية لمكافحة العنصرية، والائتلاف الأمريكي للقيم الأخلاقية، والحركة المونتانية التي ترجع إلى الكاهن مونتانوس الذى أعلن عن معمدانيته، مدعيًا أنه صوت الروح القدس، وحصوله تدبيرًا خاصًا، وتنبأ برجوع المسيح إلى الأرض خلال وقت قريب.

وتتعدد أيضا الشخصيات العامة الدينية والسياسية الداعمة أو المتبينة للرؤية المسيحية الصهيونية، في مقدمتهم القس جون مكدونالد، الذى طالما ردد «يا سفراء أمريكا انهضوا، واستعدوا لإسماع بشرى السعادة والخلاص لأبناء شعب منقذكم، الذين يعانون من الظلم، أرسلوا أبناءهم واستخدموا أموالهم في سبيل تحقيق الرسالة الإلهية»، قاصدًا نبوءة النبي يشعياهو، بعودة اليهود!

وتؤمن الشخصيات السياسية الصهيونية في الولايات المتحدة، أنها تساعد الله في مخططاته التوراتية الإنجيلية المقررة سلفاً لنهاية العالم!، كما ينتمى أغلبهم إلى «الطائفة التدبيرية»، التي ترى أن كل شيء من تدبير الله ومقدر سلفًا، وما على الإنسان إلا السعي لتنفيذ هذا المقدور، وأشهر قساوستها جيري فولويل، وجيمي سواجارت، والقس الشهر بات روبرتسون، وجيمي بيكر، وأورال روبرتس، كنيت كوبلاند، وريكس همبرد.

ويعتقد السياسيون الأمريكيون المتصهينون أن المسيح يأخذ بأيدهم، وأنهم يقودون معركة هرمجدون، التي ستقع في منطقة الشرق الأوسط!! ويصرح كثيرون منهم بالسبب الديني لدعم إسرائيل، الأمر الذي سبق أن ردده مثلا الرئيس الأمريكي ليندون جونسون «1963 -1973»، قائلًا أمام جمعية «أبناء العهد»: «إنني مستعد للدفاع عن إسرائيل تماماً كما يدافع جنودنا عن فيتنام. وإن بعضكم، إن لم يكن كلكم، لديكم روابط عميقة بأرض إسرائيل مثلى تمامًا، لأن إيماني المسيحي ينبع منكم، وقصص التوراة منقوشة في ذاكرتي، تماماً مثل قصص الكفاح البطولي ليهود العصر الحديث، من أجل الخلاص من القهر والاضطهاد».

ويرى كثير من الباحثين أن عددًا من رؤساء الولايات المتحدة ينتمون عقائديًا وإيديولوجيًا إلى المسيحية الصهيونية، من بينهم: وودرو ويلسون «1913 - 1921»، وهاري ترومان «1945 - 1953» صاحب جريمة القنبلة النووية، ودوايت أيزنهاور «1953 - 1961»، وليندون جونسون «1963 - 1973»، وريتشارد نيكسون «1969 - 1974»، جيمي كارتر «1977 - 1981»، رونالد ريجان «1981 - 1988»، وعائلة بوش الأب والابن، وكذلك وزير الخارجية الأمريكي الحالي جون كيري، اليهودي الأصل، الذى كان يعد المكافح الأول عن أمن إسرائيل خلال العشرين عام التي قضاها في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأكد مرارًا أنه لن يتنازل عن حق إسرائيل في العيش الآمن، وكتبت عنه جريدة جيروزلم بوست الصهيونية، أنه يظهر كل المعايير والاستطلاعات دعمًا مطلقًا للكيان. "

"تختلط المرامي والأهداف التي يسعى إليها «المسيحيون الصهاينة» بين دينية وسياسية، تتمثل الأخيرة في استمرار السياسات الاستعمارية ونهب ثروات الشرق وإبقاء الدول العربية دومًا تحت نيران المشكلات السياسية والعسكرية، واستنزاف طاقاتها في معارك بدلًا من التفرغ لبناء ذاتها، ودينيًا تعمل على تثبيت شرعية الكيان الإسرائيلي على أساس أنه تحقيق للنبوءات التوراتية، ودعم إعادة بناء الهيكل، والتعجيل بعودة المسيح!!

وتتفق الصهيونية مع اليمين الأمريكي في عدد من التقاطعات، منها: «أن كل مسيحي يجب أن يؤمن بالعودة الثانية للمسيح، وأن قيام إسرائيل واحتلال القدس هما إشارتان إلهيتان بقرب العودة الثانية للمسيح، وبناءً على ذلك، فإن جميع أشكال الدعم لإسرائيل ليس أمرًا اختيارًا، وإنما قضاء إلهى لأنه يؤيد ويُسرع قدوم المسيح، وبالتالي فإن كل من يقف ضد إسرائيل يعتبر عدوًا للمسيحية وعدوا لله بالذات»."

المحور الثالث:

 هو استمرار الظاهرة البكائية اليهودية على ما يسمونه "مذابح الهولوكوست"، وعلى " الحلب المستمر المتواصل" لعقدة الذنب الاوربية الامريكية وتقصيرهم مع اليهود ؟! ويذكر الأستاذ حسني محلى بهذا المسألة التالي: "في 27 كانون الثاني/يناير من كلّ عام، يحيي العالم المتعاطف مع اليهود و"دولتهم" العنصرية "إسرائيل"، العنصرية وفق لجنة العفو الدولية في بيانها الذي أصدرته 2 شباط/فبراير 2022، اليوم العالمي لما يُسمى "الهولوكوست"، أي المحرقة النازية ضد اليهود.

كالعادة، وتحت الضغوط النفسية التي يتعرض لها كلّ من ينكر هذه المحرقة أو يشكّك فيها، استغلَّت الصهيونية العالمية هذه المناسبة لكسب المزيد من التأييد السياسي والتضامن العاطفي مع مقولاتها، وبالتالي مشاريعها الاستيطانية في فلسطين، كأنّ الذين "أحرقوا اليهود في غرف الغاز" هم الفلسطينيون، وليسوا الألمان، كما يقولون

ولو تجاهلنا ما قامت به النازية الهتلرية ضد الغجر والشيوعيين وأصحاب العاهات الجسدية والنفسية، ومواطني بولندا من السلاف أيضاً، وهو ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن مليون منهم، فما علينا إلا أن نعترف للصّهيونية العالمية بنجاحها الباهر في قصة المحرقة منذ بدايتها، وهي طرف فيها أساساً، إذ حقّقت من خلال قصّة المحرقة مكاسب مادية وسياسية وأيديولوجية ساعدتها على تحقيق الحلم اليهودي لإقامة "الدولة اليهودية" في "أرض الميعاد" فلسطين، "بعد أن خيّرت يهود أوروبا" بين البقاء في أوطانهم والموت في غرف الغاز النازية أو الهجرة فوراً إلى فلسطين والعيش في نعيم بين أشقائهم اليهود من جميع أنحاء العالم قرب حائط المبكى". 

 وهذا ما تؤكده الباحثة لميس اندوني   حيث تكتب الاتي:" احتكار الألم كمفهوم عنصري يلتحف بادّعاء إنسانيٍّ مزيف سلوك توظفه كل الأنظمة الاستعمارية والعنصرية، وإلا، كيف يمكن تبرير ارتكاب المجازر ونهب الشعوب؟ لا عجب أنه في صلب تكوين المشروع الصهيوني والممارسات الإسرائيلية، فالمستوطن أحق بالأرض، لأنه يعشق الخضرة، والمستوطن أحقّ بالمياه لأنه يفهم ضرورة الاستحمام ولا بأس من سحب مياه القرى الفلسطينية إلى المستوطنات لإقامة برك السباحة، ولا مساواة في الاحتياجات ولا في الفرح ولا في الألم.


احتكار الألم من أهم أسلحة المشروع الصهيوني وإسرائيل. صحيحٌ أن ردّة الفعل على جريمة المحرقة تستدعي ضمان عدم تكرارها، وهو الشعار الذي جرى رفعه بعد الحرب العالمية الثانية، لكن المنظمات الصهيونية تبنّته لتبرير كل الجرائم التي ارتُكبت لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ولضمان استمرار توسّعها، وأصبح شعارا لضمان صمت العالم."

 

اذن هذه الثلاثية من المحاور ليس لها وجود داخل القطب الإمبراطوري الصيني إذا صح التعبير حيث ينظرون لمنطقتنا من باب مصالح تجارية واستفادة مالية وموقع ضمن خطتهم لأعادة رسم طرق التجارة البحرية والبرية للتجارة الدولية والتي منطقتنا جزء أساسي منها، وأيضا هذه الطرق التجارية الجديدة تضرب الخطوط التجارية القديمة المرسومة ضمن المصالح الانجلوساكسونية الاطلسية إذا صح التعبير مع مواقع التحكم والسيطرة البريطانية الامريكية القديمة والتي تم تجديدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

ان الإمبراطورية الصينية تبحث عن "شريك" أفضل لهم ومن يقدم لها عروض خدمية مريحة تلبى مصالحهم وخطط امبراطوريتهم الناهضة للتواجد والوجد في عالم متعدد الأقطاب وهي ليست لديها أي من المحاور الثلاثة الموجودة عند الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، الذي لا يستطيع الفكاك والهروب من الحركة الصهيونية العالمية او تجاهلها حتى لو كان هناك ضرر مباشر عليهم ك "بلدان " ودول" و"مجتمعات.

ويؤكد ذلك الباحث توفيق سلام حيث يقول: " يقدّم نهج الصين الآخذ في التطور لمحة عن الأسلوب الذي تنتهجه لتعزيز مصالحها مع بلدان العالم المختلفة. فهي تعتمد في علاقاتها الخارجية على عدد من الأبعاد المترابطة أهمها: أولاً، إعطاء الأولوية للمصالح الصينية المباشرة والمحددة بدقة وتأمينها، وثانيًا محاولة تسهيل حل النزاعات، وثالثًا السعي لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى.

فالصين تركز على تأمين مصالحها الخاصة، أي الحماية المادية لاستثماراتها، وهي في ذلك تتوقع تعاون شركائها ودعمهم للمصالح الأمنية الصينية"

" وتوظف سياستها الخارجية لخدمة أهدافها الداخلية المتمثلة في النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والسياسي والتقدم العلمي والتكنولوجي وحماية الأمن القومي. وتنظر إلى احتدام الصراع والهيمنة الأمريكية على العالم بالأخطار المهددة لها، التي تقوض مصالحها في ظل سياسة القطب الواحد، في مواجهة المنافسين، من خلال فرض قراراتها على حلفائها بمهاجمة الخصم أو فرض شروط على منتجاته الاقتصادية، أو تقنياته"

"تهتم الصين بمنطقة الخليج بشقيه العربي والإيراني، حيث تستورد ما يقرب من 60 في المائة من إمدادات الطاقة وتحتاج إلى الاطمئنان لحضور ترتيبات أمنية تحول دون تهديد شبكات النفط والغاز الطبيعي ودون تهديد تجارتهما. كما أن اهتمام السياسة الخارجية الصينية بعموم الشرق الأوسط وبالقارة الإفريقية يعود إلى أولوية التبادل التجاري والاستثمارات والمساعدات التنموية بين الصين وبين المنطقتين اللتين فيهما أسواق واسعة، ومواد خام هائلة ونقص بالغ في البنى التحتية الأساسية وشبكات المواصلات والنقل والاتصالات، ولا تحصلان على الكثير من الاستثمارات الغربية.

فالصين لا تنظر إلى في سياستها الخارجية كمجال لفرض انحيازها الأيديولوجية على الآخرين بتصنيفات الصديق والعدو، أو بالربط بين التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات التنموية، وبين الاستجابة إلى شروط سياسية أو اقتصادية بعينها، أو برهن العلاقات الجيدة مع دول إقليم معين بحضور علاقات سلام وتعاون بين تلك الدول وبعضها البعض. وتقدم منطقة الخليج على وجه خاص ومنطقة الشرق الأوسط في العموم أمثلة واضحة على غياب المشروطية عن السياسات الصينية.

فالأولوية الكبرى هي تحفيز النمو الاقتصادي في الداخل من خلال زيادة التبادل التجاري مع جميع دول العالم وزيادة الاستثمارات الموجهة إلى البنى التحتية في دول الجنوب. ذلك أن الصين صارت الشريك التجاري الأول لجميع دول المنطقتين، وتستورد احتياجاتها من الطاقة من إيران والسعودية وروسيا ودول إفريقية. ولها اتفاقات تعاون استراتيجي وشراكات واسعة مع إيران والسعودية، وكذلك مع إسرائيل وتركيا دون أن تلتفت إلى طبيعة العلاقات بين تلك الدول وبعضها البعض. وسياستها هي أقرب ما تكون إلى ما يشار إليه أحيانًا في أدبيات العلاقات الدولية بسياسة "الخيمة الكبيرة" التي تعني بناء التحالفات وزيادة التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات مع دول الجوار، والدول في المناطق الهامة لمصالحها دون النظر لانحيازات ايديولوجية، أو لاعتبارات سياسية. وفيما يخص الشرق الأوسط، فإن الصين لم تأت إلى المنطقة كقوة غزو واحتلال على عكس ما فعلت القوى الاستعمارية الأوروبية في الماضي البعيد"

 

ولا يعني ذلك غياب العلاقة بين الكيان الصهيوني والصين؟ فهم تجار و امبراطورية مصلحية فهم من بنوا ميناء حيفا في فلسطين المحتلة و أيضا كما تذكر الباحثة تمارا حداد "الصين واسرائيل العلاقة بينهما قوية بالتحديد في المنحى الاقتصادية وتصدير البضائع الصينية وغيرها لمناطق السلطة الفلسطينية أو ادخالها لغزة كون اسرائيل المسيطر الوحيد على المعابر التجارية ناهيك عن تصديرها لمنطقة الشرق الاوسط، وكما ان الصين غير معنية بتضييق العلاقة مع اسرائيل حيث يتواجد داخل الكيان الصهيوني قواعد استخباراتية لتجميع المعلومات عن منطقة الشرق الاوسط وبالتحديد منطقة البحر الاحمر وأفريقيا والصين معنية تماماً في تلك المعلومات وبالتحديد أن الصين تملك قواعد عسكرية في البحر الاحمر قبالة الصومال وغيرها الأمر الذي بحاجة لتنسيق أمني وعسكري واقتصادي بين الصين واسرائيل."

ولكن نحن نقول ان شكل العلاقة مختلف وليس ذوو ارتباط عضوي دموي إذا صح التعبير وليست مصارين وامعاء الصهاينة متداخلة مع مصارين وامعاء الصينين كما هو حاصل مع الغرب.

 

اذن علينا نحن العرب ان نتحرك ب "مشروعنا العربي النهضوي" الذي يؤمن بالوحدة العربية المبنية على أساس علمي واقعي يرتبط بتعزيز الإدارات و النظام و حكم القانون و أيضا التنسيق العربي المشترك و التضامن بين الدول بما يخدم الأنظمة الرسمية و الشعوب العربية التي تعيش حاليا في هذه الأقطار المنقسمة حسب تفصال مصالح بريطانيا و فرنسا و روسيا القيصرية لما بعد الحرب العالمية الاولي و هذه المصالح حاليا ستختلف و تتعارض مع الأقطاب الدولية القادمة للتحكم في المشهد الدولي , فاذا لم يسبق "عرب سايس بيكو" اذا صح التعبير انفسهم فأن خارطة جديدة مبنية على مصالح الأقطاب الدوليين الجدد ستعيد انشاء دول جديدة و مواقع حكم مستحدثة نفس ما حصل بعد انهيار الدولة العثمانية, فالأفضل ان يستبق النظام الرسمي العربي ذلك قبل ان لا يطبر طيره كما يقول المثل الكويتي الشعبي , لذلك الوحدة العربية هي قدر "مصلحي" و ليست اختيار "عاطفي".

وضمن هذه الاجواء علينا ان نعيد التذكير في نشاطات مركز دراسات الوحدة العربية المكثفة بقيادة المرحوم الدكتور خير الدين حسيب والذي اجتمعت معه بالعام 2010  ومرة أخرى في العام  2011 وكان ضمن نقاشاتنا هذا الموضوع بالذات وما قام به المركز من نشاطات.

وذكر لي الدكتور خير الدين حسيب انه المركز يعمل على هذه المسالة بشكل مكثف وهنا اجد من المناسب ان اقتبس فقرات مهمة من المشروع النهضوي العربي كما جاء في الكتيب المهم الذي اهداني إياه المرحوم الدكتور خير الدين حسيب لكي اطلع عليه و ابدي ملاحظاتي عليه و النصوص التالية من هذا الكتيب المعنون ب "المشروع النهضوي العربي نداء المستقبل" حيث يذكر الاتي : "عقد المركز هذه الندوة في فاس في عام 2001، وشارك فيها ما يزيد على المئة باحث من التيارات الفكرية كافة، تناولت بحوثُها ومناقشاتُها – على مدار أربعة أيام – القضايا النهضوية الست التي تشكل أهداف المشروع وهيالوحدة العربية، والديمقراطية، والتنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني والقومي، والتجدُّد الحضاري."

"وشكَّل المركز، عقب الندوة مباشرة، لجنة صياغة مخطط المشروع " و "لقد حرص مركز دراسات الوحدة العربية، منذ بداية عمله على هذا المشروع، على مشاركة التيارات الفكرية كافة في إنجازه (من قوميين وإسلاميين ويساريين وليبراليينحتى يأتي ممثِّلاً لنظرةَ الأطياف الفكرية والسياسية كافة بحسبانه مشروعاً للأمة جمعاء لا لفريقٍ منها دون آخرولقد كان الجميع مشاركاً في المراحل كافة: من إعداد المقترحات والتصورات، إلى فرق العمل التي ناقشت المخطط وأقرَّته، إلى الباحثين والمشاركين في ندوة فاس، إلى أعضاء لجنة الصياغة وفريق التحريروها هو المركز يطرح “المشروع النهضوي العربي” في صورته النهائية على الأمة، واثقاً من أنه سوف يكون دافعاً قوياً لنضالها من أجل تجسيد أهدافه الستة في الواقع العربي، وناظماً فعّالاً لهذا النضال."

هذا المشروع المكتوب امر جيد و مجهود مهم يمثل خارطة طريق "ابتدائية" يستطيع النظام الرسمي العربي ان يستخدمها وان يتحرك على الأقل بأي نقطة من النقاط التي اثارها و التي تمثل مساحة مشتركة اتفق عليها مجموعة مهمة من الكتاب و المثقفين العرب من مختلف الاتجاهات و التيارات الذين ادوا ما عليهم من "رسالة الكلمة" اذا صح التعبير , و لكن هي صرخة في الوادي لن تكون الا رسالة منسية في التاريخ ما لم تتحرك في خط التطبيق و الحركة الواقعية في التنفيذ و هذا دور من لديهم مواقع السلطة و الحكم و القرار في النظام الرسمي العربي الذين اذا لم يصحوا من غفلتهم فأن سايس بيكو الجديد القادم مع "تعدد الأقطاب" لن يتركهم نائمين بل سيوقظهم مع ما سيتم تأسيسه من دول و مواقع للحكم جديدة على كل منطقتنا العربية , فالأفضل لهم كما ذكرنا بالأعلى ان يتغدوا قبل ان يتعشى بهم الأقطاب الدولية الجديدة.

ان علينا ك "عرب" ان ننطلق من مواقع قوتنا لكي ننهض و نعيش دورنا الحضاري المطلوب منا في هذا العالم , اما الاستسلام و ثقافة الهزيمة و الانغلاق , فأنها لم تنفعنا بشيء منذ وفاة المرحوم جمال عبد الناصر "الشخص" , و الانقلاب على مشروعه التغييري في الواقع العربي , ان على النظام الرسمي العربي ان يصحى من نومه وغيبوبته قبل ان يتم إخراجه بحكم الواقع من معادلات الحكم و السيطرة و القرار ,و هذا الخروج حتمي مع عالم متعدد الأقطاب القادم لكل العالم لكي يغير ما فيه من قواعد اللعبة , و علي شعبنا العربي ان يغير ما في نفسه لكي يغير المجتمع من حوله  و ان يتحرك في صناعة شخصيته العربية القومية من خلال ثقافة قرأنية حركية عاقلة تصنع له شخصيته الثقافية و المعرفية ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾  و من القران الكريم يستلهم التجربة و القدوة و النموذج الذي يعطيه الدافع الذاتي لكي يخرج من الاستحمار الشيطاني ليعيش النباهة القرأنية الاصيلة لما تقدمه الآيات من إعادة صناعة الانسان العربي المسلم , و ليس هناك مستحيل ما دام لنا عقل يفكر و جسد ينبض بالحياة و أيضا الرغبة في التغيير و إعادة الساعة الى التوقيت العربي الإسلامي بعيدا عن الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وبعيدا عن أي اقطاب دولية أخرى , فليكن لنا مشروعنا العربي المستقل وليكن لنا قرارنا النابع من مصالحنا وعند ذلك فأننا سنكون احرار "مستقلين" في الموقف و أصحاب رأي وقيمة معرفية  ننطلق كالسيل الجارف لأعادة صناعة حضارتنا العربية الإسلامية من جديد.

 

د.عادل رضا

طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب في الشئوون العربية والاسلامية