الاثنين، 3 أغسطس 2015

“"فضل الله....ماذا بعد الرحيل؟


"فضل الله....ماذا بعد الرحيل؟


يمضي الزّمن في الإنسان إلى أن تنتهي أيّامه في الدّنيا ليمضي إلى العالم الآخر مؤدّياً تكليفه الشرعي قبلها, ونحن في رحلة الزّمن هذه، تمرّ علينا ذكرى رحيل إنسان عاش الإسلام" شعاراً و فكراً و حركة" , في خطّ التطبيق بعد أن عاش حلم التأسيس مع رفاقه في النجف الأشرف، عندما انطلقوا إلى تفعيل دور الإسلام اجتماعياً ليخرج الدّين من قوقعة الطقوس الفردية إلى هواء المجتمع لتغييره من الجاهليّة المعاصرة إلى الحداثة القرآنية التي تفجّر الطاقات لتحقيق النهضة للمجتمع و السعادة للفرد.
عاش السيد فضل الله من أجل الإسلام، وربط حركته مع الله في خطّ التكليف الشرع مستنداً على قراءة حركيّة للقرآن الكريم تريد للآيات أن تعمل تغييراً في الإنسان من هنا و في الأسرة من هناك وفي الأنظمة السياسية والاقتصادية من هنالك.

كانت رحلة إنسان انتهت برحيل الجسد, فما بعد الرحيل؟ و أين أنتهى المشروع الإسلاميّ الحركيّ؟
أتباع بمئات الألاف على امتداد العالم، ومقاومة إسلامية داخل الواقع اللّبناني حققت الانتصار على الصهاينة ومشاريع مؤسّساتية كوّنت حالة حضارية مشرفة داخل "مسخ الدولة اللبنانية".
ماذا بعد مرحلة السيّد محمد حسين فضل الله , و ها هي الذكرى الثانية التي تمرّ علينا برحيل الفقيد الكبير؟ و بهذا الرحيل أنتهى جيلٌ كاملٌ من جيلٍ قديم كان يمثل السيد أحد أبرز رجاله, وهو جيل آمن بدور الإسلام كحالة فكرية ذات دور اجتماعي للإنسان, و كمنظومة فكرية للحياة..كلّ الحياة .وان اختلفت طرق التفكير، ولكن هناك توحّد حول الهدف.


نعود إلى السؤال، وهو ماذا بعد؟
فالجسد رحل, و رحلة أكثر من خمسين سنة من النضال الحركي والسياسي للسيّد فضل الله, تتمثّل في تراث من الفكر الإسلاميّ الحركيّ المستند إلى القران الكريم, وهو كان أحد كبار المتخصّصين فيه..  وفي هذه الرّحلة الطويلة تمّ إنشاء مؤسّسات ترجمت هذا الفكر كواقع يتحرّك على الأرض لتغطية النواحي الاجتماعية والتربوية والإنسانية..
ماذا بعد؟ يعود السؤال مرة أخرى؟
قلنا في أكثر من موقع إنّ هناك توجّه للبننة المشروع العالمي للسيد فضل الله و تقزيمه وهذا هو مطلب أكثر من دائرة تتحرّك في الواقع. نعاني من تكلّس حركيٍّ داخل المؤسّسات الرسمية، وهم يريدون الحال كما هو عليه لأسباب شخصيّة تتعلق بذواتهم، أولنقص في الجانب الإيديولوجي لديهم، أولغياب القدرة القيادية، أولإحباطاتهم الداخلية.
و لدينا دائرة لواقع دولي استكباري يرفض انطلاق الإسلام عالمياً أكثر من دوره الطقوسي الطائفيّ كدين عبادي يتحرك بالعبادة وطقوسها الفارغة من أي روح و امتداد اجتماعي، وسياسي إلى واقع الناس.
و لدينا دائرة الخرافيّين الخزعبلاتيّين الذين تتقاطع مصالحهم الاقتصادية و توجّهاتهم مع مختلف الدوائر السابقة.
و تناولنا جزء من تلك المسائل في مقال سابق بعنوان"لنطلق المرجعيّة المؤسسة....دعوة حوارية للإسلاميّين الحركيّين" حيث ذكرنا:
"بعد وفاة السيّد محمد حسين فضل الله يجب العمل على إعادة تقييم التجربة، كمؤسّسات تحديداً، فسماحة السيد اختفى جسداً وترك لنا تراثاً فكريّاً وجيلاً شبابيّاً في مختلف دول العالم مؤمناً بالإسلام الحركيّ ضمن حالة إسلاميّة عالميّة تمثّل حالة حضاريّة نخبويّة.


و في ظلّ هذه النخبة والفكر تأتي مؤسّسات السيد فضل الله ممثّلة بجمعيّة المبرات الخيرية كأحدى المؤسّسات الرائدة في العالم الإسلاميّ الشيعيّ إذا صحّ التعبير، وهذه المؤسّسات ليست إرثاً لعائلة أو تركة لمجموعة أشخاص .
إنّ هذه المؤسّسات تنتمي إلى الحالة الإسلاميّة العالميّة والأجيال المؤمنة بهذه الحالة. إنّ هذه المؤسّسات هي ملك للحركة الإسلاميّة و ليست إرثاً لعائلة.
إذاً، يجب طرح مواضيعَ نقاشيّة حول مصير هذه المؤسّسات من حيث ماذا سيجري لها الآن بعد مرور سنتين من الوفاة الجسدية، فالمسألة هنا ليست مسألة عائلة ترث شخصاً، والمسألة هنا هي جيل مؤمن بفكر تجسَّد بمؤسّسات على أرض الواقع.
إنّ الإسلام الحركيّ كحالة عالميّة أمميّة يجب أن تكون مؤسّساته عالمية على مستوي الفكر، ولذلك نحن نرفض أن تتحوّل هذه المؤسسات إلى حالة لبنانيّة تقليديّة مملّة، فهذا تقزيم للفكر وإنهاء لمشروع قديم جديد آمن بأنّ الإسلام يجب أن بتحرّك في المجتمع لما فيه السّعادة للفرد والنهضة للمجتمع.


لذلك أرى أن يتمّ تطوير هذه المؤسّسات إلى حالة أكثر عالميّة وأمميّة، ويتمّ التنسيق الإداريّ والرقابيّ والتنظيميّ لإطلاق مشروع المرجعيّة المؤسّسة، لتطبيق أحد أهمّ عناوين الفكر الإصلاحيّ للسيد محمد حسين فضل الله وهو المرجعية الإسلامية المؤسسة.
هذه مواضيع ونقاط نطرحها بشكل مختصر لكي يتمّ تفعيل الحوار حولها بما يخدم و يساهم في منع تحوّل مشروع الإسلام الحركيّ بمؤسّساته إلى حالة لبنانية تقليدية، والانطلاق بها إلى فضاء المرجعيّة المؤسّسة الشّاملة التي هي المشروع المستقبلي لضمان توافق المؤسّسات على الأرض مع عالميّة الطرح و رؤيته الأممية."
ماذا بقي من مشروع السيد فضل الله ألان؟ نكرر السؤال أيضا هنا؟
الجوانب الإيجابية هي وجود مجاميع تقدر بالآلاف في الجامعات من الشباب الذين تربّوا على فكر السيد فضل الله خارج المواقع الرسميّة لمؤسّسات السيّد فضل الله، من خلال التثقيف الذاتيّ أو من خلال متابعة السيّد فضل الله في الإعلام, وهذه المجاميع كبيرة وتمثّل نخبة ثوريّة حركيّة مخفيّة قد تُطلَق في أيّة لحظة لصنع التغيي, و هي نخبة منتشرة في مختلف بقاع العالم.
وهناك أكثر من موقع دوليّ يتحرّك بتأثير من الثقافة القرآنيّة الحركيّة التي أنتجها السيّد فضل الله على مرّ تاريخه, متجاوزين العقدة الطائفية السخيفة, فالحركيون الإسلاميون في تركيا و تونس وغيرها من البلدان أصبحت مؤلفات السيد جزءاً أساسيّاً من التعليم الحزبيّ للأتباع.
و بتصوري، إنّ أكثر ما يخيف الاستكبار الدولي هو أين سيضرِب فكر السيد فضل الله بعد الوفاة , لأن مراكز الأبحاث الاستراتيجيّة تقرأ تجربة ثورية نظريّة قديمة تحرّكت بما هو غير متوقّع، وأخذت تهدّد نظم سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة قام عليها الغرب الرأسمالي.


و أقصد هنا تجربة كارل ماركس، حيث تحرّكت نظريته في مكان غير متوقّع وهو روسيا والصين و باقي بلدان المنظومة الاشتراكيّة .وإذا كانت تجربة ماركس هزّت العالم فما بالك بالتجربة الإسلاميّة، وخصوصا أنّها تجربة لحالة حضاريّة قديمة استمرّت لمئات السنين وتوقّفت لظروفها، ولكنّ الإسلام كرسالة جامعة لكلّ حركات التحرّر الديني, عوّدنا على النهوض مرّة أخرى كالطائر الإغريقيّ القديم ليعود حضارياً و ليملأ السّاحة نهضة للإنسان، ونهضة للمجتمع, و لكن هذا كلّه متعلّق بشروط وظروف النهضة و بالمبادىء المتعلّقة بقوانين الحياة. لذلك، فالإسلام ليس حالة عاطفيّة حماسية بل هو شعار وفكر وحركة , بما عرفته في أكثر من موقع بمثلث الدين.
و لكن ما هو سلبيّ و كبير، هو أن مشروع السيد فضل الله يتّجه للاندثار نتيجة غياب مشروع المرجعية المؤسّسة المنظمة للأتباع، وأيضاً تكلس الرسميين في المؤسّسات وطغيان الجانب المحلّي اللّبناني على الجانب الدوليّ، حيث أصبحت حسبة الرسميّين لبنانيّة محليّة أكثر من كونها عالمية أممية.
و تبقى كلمة السيد محمد حسين فضل الله الخالد: "فلنبدأ من جديد", تنطلق من السيّد إلى كلّ الأتباع، ومحبّي الإسلام، لكي ينطلقوا من مواقع القوّة لصناعة السّعادة للفرد، والنهضة للمجتمع من خلال الالتزام بخطٍّ قرآنيٍّ حركي يعيش الإنسانية في المضمون، والواقعية في التطبيق، والمنطق في التحليل.

الدكتور عادل رضا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق